-->

روابط المصاهرة في الإسلام: تشريعات قرآنية وسنن نبوية لبناء مجتمع مترابط

تشريعات قرآنية وسنن نبوية لبناء مجتمع مترابط

ثالثًا: المصاهرة في القرآن الكريم والسنة النبوية

1. في القرآن الكريم:

  • ذكر القرآن الكريم المصاهرة كنعمة من نعم الله على الإنسان، حيث قال الله تعالى:

    "وأَنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم" [النور: 32].

  • أكد القرآن الكريم أهمية احترام الروابط الأسرية الناشئة عن الزواج في قوله تعالى:

    "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلًا" [النساء: 22].

    المصاهرة في القرآن الكريم والسنة النبوية

    المصاهرة تُعتبر من الروابط الاجتماعية والشرعية المهمة التي أكد عليها القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث تم توضيح أحكامها وآدابها لتحقيق الاستقرار الأسري والتكافل الاجتماعي.

    أولاً: المصاهرة في القرآن الكريم

    ذكر القرآن الكريم المصاهرة في عدة مواضع، مبينًا أحكامها وأثرها في المجتمع، ومن أهم الآيات:

  • بيان نعمة الزواج والمودة بين الزوجين:
    قال الله تعالى:

    "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم: 21).

    • تشير الآية إلى أن الزواج يُحقق السكن النفسي والمودة والرحمة بين الزوجين.
  • تحريم الزواج ببعض الأقارب بسبب المصاهرة:
    قال الله تعالى:

    "وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا" (النساء: 22).

    • تُوضح الآية تحريم الزواج من النساء اللواتي كن زوجات للآباء، وهو حكم يتعلق بالمصاهرة.
  • تحديد المحرمات بسبب المصاهرة:
    قال الله تعالى:

    "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ" (النساء: 23).

    • تبين الآية المحرمات في الزواج، ومن ضمنهم المحرمات بالمصاهرة، كأم الزوجة وبنتها وزوجة الابن

2.المصاهرة في السنة النبوية:

  • أكد النبي محمد ﷺ أهمية المصاهرة وأوصى بحسن التعامل مع الأصهار، فقال:

    "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" [رواه الترمذي].

  • حث الإسلام على حسن اختيار الزوجة والزوج، حيث قال النبي ﷺ:

    "فاظفر بذات الدين تربت يداك" [رواه البخاري].

    المصاهرة في السنة النبوية
    جاءت السنة النبوية لتؤكد على أهمية المصاهرة وتعزز مكانتها كوسيلة لتقوية الروابط الاجتماعية والأسرية، مع بيان الأحكام المتعلقة بها وضرورة مراعاة حقوق الأصهار. وقد وردت العديد من الأحاديث والمواقف التي تُبرز مكانة المصاهرة في الإسلام.

    أدلة من السنة النبوية:

    1. تحريم الزواج المؤبد بسبب المصاهرة:
      قال النبي ﷺ:
      "لا تُنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها." (صحيح البخاري ومسلم)
      يوضح الحديث تحريم الزواج بالجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، حماية للأواصر العائلية ومنعًا للقطيعة.

    2. الإحسان إلى الأصهار: أوصى النبي ﷺ بحسن التعامل مع الأصهار والقرابة، فقد قال:
      "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي." (سنن الترمذي)
      يُبيّن الحديث أهمية معاملة الزوجة وأهلها بالإحسان والكرم.

    3. التأسي بالنبي ﷺ في المصاهرة:
      النبي ﷺ نفسه أقام علاقات مصاهرة مع بعض القبائل، مما أدى إلى توثيق العلاقات الاجتماعية ونشر الإسلام. ومن الأمثلة:

      • زواجه من السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، مما عزز مكانته الاجتماعية في قريش.
      • زواجه من السيدة صفية بنت حيي رضي الله عنها، الذي كان سببًا في تأليف قلوب بني إسرائيل بعد غزوة خيبر.
      • تزويجه ابنته فاطمة الزهراء من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مما وحّد بين أهم بيوتات المسلمين.
    4. الوفاء للأصهار حتى بعد الوفاة:
      كان النبي ﷺ وفيًّا لقراباته وأصهاره، حيث ظل يذكر فضل زوجته خديجة رضي الله عنها، ويُكرم أقاربها بعد وفاتها.

    فوائد المصاهرة من السنة النبوية:

    1. نشر المحبة والألفة بين العائلات المختلفة.
    2. توسيع نطاق العلاقات الاجتماعية لتقوية المجتمع الإسلامي.
    3. دعم الدعوة الإسلامية من خلال المصاهرة، كما فعل النبي ﷺ بزواجه من قبائل مختلفة.
    4. تحقيق الاستقرار الأسري والتكافل الاجتماعي.

    أكدت السنة النبوية على مكانة المصاهرة كوسيلة لنشر القيم الإسلامية وتعزيز الروابط الاجتماعية. وقد جسّد النبي ﷺ هذا المبدأ عمليًّا في حياته من خلال زيجاته وعلاقاته الطيبة مع أصهاره، ما يعكس حكمة التشريع الإسلامي في بناء مجتمع مترابط ومتعاون.

    رابعًا: الحقوق والواجبات في المصاهرة

2. .الحقوق والواجبات في المصاهرة

تُرتب المصاهرة في الإسلام حقوقًا وواجبات متبادلة بين الزوجين وأهل كل منهما، بهدف تعزيز الروابط الاجتماعية وتوفير بيئة أسرية مستقرة. وقد شرع الإسلام هذه الحقوق والواجبات لضمان حسن التعامل بين الأطراف وتقوية أواصر المحبة والاحترام.

إرسال تعليق

أحدث أقدم