-->

تفسير سورة البقرة من الاية 136 الي الايه 140

البقرة من الاية 136 الي الايه 140

 ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )

البقرة (136)

أرشد الله تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مفصلا وبما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملا ونص على أعيان من الرسل ، وأجمل ذكر بقية الأنبياء ، وأن لا يفرقوا بين أحد منهم ، بل يؤمنوا بهم كلهم ، ولا يكونوا كمن قال الله فيهم : ( ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا ) [ النساء : 150 ، 151 ] .

وقال البخاري : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عثمان بن عمر ، أخبرنا علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالله وما أنزل إلينا " .

وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي من حديث عثمان بن حكيم ، عن سعيد بن يسار عن ابن عباس ، قال ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصلي الركعتين اللتين قبل الفجر ب ( آمنا بالله وما أنزل إلينا ) الآية ، والأخرى ب ( آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ) [ آل عمران : 52 ] . وقال أبو العالية والربيع وقتادة : الأسباط : بنو يعقوب اثنا عشر رجلا . ولد كل رجل منهم أمة من الناس ، فسموا الأسباط .

وقال الخليل بن أحمد وغيره : الأسباط في بني إسرائيل ، كالقبائل في بني إسماعيل . وقال الزمخشري في الكشاف : الأسباط : حفدة يعقوب وذراري أبنائه الاثنى عشر ، وقد نقله الرازي عنه ، وقرره ولم يعارضه . وقال البخاري : الأسباط : قبائل بني إسرائيل ، وهذا يقتضي أن المراد بالأسباط هاهنا شعوب بني إسرائيل ، وما أنزل الله تعالى من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم ، كما قال موسى لهم : ( اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) [ المائدة : 20 ] وقال تعالى : ( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما ) [ الأعراف : 160 ] وقال القرطبي : وسموا الأسباط من السبط ، وهو التتابع ، فهم جماعة متتابعون . وقيل : أصله من السبط ، بالتحريك ، وهو الشجر ، أي : هم في الكثرة بمنزلة الشجر ، الواحدة سبطة . قال الزجاج : ويبين لك هذا : ما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري ، حدثنا أبو نجيد الدقاق ، حدثنا الأسود بن عامر ، حدثنا إسرائيل عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام . قال القرطبي : والسبط : الجماعة والقبيلة ، الراجعون إلى أصل واحد .

وقال قتادة : أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا به ، ويصدقوا بكتبه كلها وبرسله .

وقال سليمان بن حبيب : إنما أمرنا أن نؤمن بالتوراة والإنجيل ، ولا نعمل بما فيهما .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري ، حدثنا مؤمل ، حدثنا عبيد الله بن أبي حميد ، عن أبي المليح ، عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آمنوا بالتوراة والزبور والإنجيل ، وليسعكم القرآن " .

( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )

البقرة (137)

قول تعالى : ( فإن آمنوا ) أي : الكفار من أهل الكتاب وغيرهم ( بمثل ما آمنتم به ) أيها المؤمنون ، من الإيمان بجميع كتب الله ورسله ، ولم يفرقوا بين أحد منهم ( فقد اهتدوا ) أي : فقد أصابوا الحق ، وأرشدوا إليه ( وإن تولوا ) أي : عن الحق إلى الباطل ، بعد قيام الحجة عليهم ( فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله ) أي : فسينصرك عليهم ويظفرك بهم ( وهو السميع العليم )

وقال ابن أبي حاتم : قرئ على يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب ، حدثنا زياد بن يونس ، حدثنا نافع بن أبي نعيم ، قال : أرسل إلي بعض الخلفاء مصحف عثمان بن عفان ليصلحه . قال زياد : فقلت له : إن الناس يقولون : إن مصحفه كان في حجره حين قتل ، فوقع الدم على ( فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ) فقال نافع : بصرت عيني بالدم على هذه الآية وقد قدم . 

 ( صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ )

البقرة (138)

وقوله : ( صبغة الله ) قال الضحاك ، عن ابن عباس : دين الله . وكذا روي عن مجاهد ، وأبي العالية ، وعكرمة ، وإبراهيم ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وعبد الله بن كثير ، وعطية العوفي ، والربيع بن أنس ، والسدي ، نحو ذلك .

وانتصاب ( صبغة الله ) إما على الإغراء كقوله ( فطرة الله ) [ الروم : 30 ] أي : الزموا ذلك عليكموه . وقال بعضهم : بدل من قوله : ( ملة إبراهيم ) وقال سيبويه : هو مصدر مؤكد انتصب عن قوله : ( آمنا بالله ) كقوله ) واعبدوا الله ) [ النساء : 36 ] .

وقد ورد في حديث رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه ، من رواية أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أن نبي الله قال : " إن بني إسرائيل قالوا : يا موسى ، هل يصبغ ربك ؟ فقال : اتقوا الله . فناداه ربه : يا موسى ، سألوك هل يصبغ ربك ؟ فقل : نعم ، أنا أصبغ الألوان : الأحمر والأبيض والأسود ، والألوان كلها من صبغي " . وأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم : ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة )

كذا وقع في رواية ابن مردويه مرفوعا ، وهو في رواية ابن أبي حاتم موقوف ، وهو أشبه ، إن صح إسناده ، والله أعلم

 ( قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ )

البقرة (139)

يقول الله تعالى مرشدا نبيه صلوات الله وسلامه عليه إلى درء مجادلة المشركين : ( قل أتحاجوننا في الله ) أي : أتناظروننا في توحيد الله والإخلاص له والانقياد ، واتباع أوامره وترك زواجره ( وهو ربنا وربكم ) المتصرف فينا وفيكم ، المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له ! ( ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) أي : نحن برآء منكم ، وأنتم برآء منا ، كما قال في الآية الأخرى : ( وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ) [ يونس : 41 ] وقال تعالى : ( فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ) [ آل عمران  20 ] وقال تعالى إخبارا عن إبراهيم ( وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون ) [ الأنعام : 80 ] وقال ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ) الآية [ البقرة : 258 ]

وقال في هذه الآية الكريمة : ( [ ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ] ونحن له مخلصون ) أي : نحن برآء منكم كما أنتم برآء منا ، ونحن له مخلصون ، أي في العبادة والتوجه

( أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )

البقرة (140)

ثم أنكر تعالى عليهم ، في دعواهم أن إبراهيم ومن ذكر بعده من الأنبياء والأسباط كانوا على ملتهم ، إما اليهودية وإما النصرانية فقال : ( قل أأنتم أعلم أم الله ) يعني : بل الله أعلم ، وقد أخبر أنهم لم يكونوا هودا ولا نصارى ، كما قال تعالى : ( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ) الآية والتي بعدها [ آل عمران : 67 ، 68 ]

وقوله : ( ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ) قال الحسن البصري : كانوا يقرؤون في كتاب الله الذي أتاهم : إن الدين [ عند الله ] الإسلام ، وإن محمدا رسول الله ، وإن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا برآء من اليهودية والنصرانية ، فشهد الله بذلك ، وأقروا به على أنفسهم لله ، فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك .

وقوله : ( وما الله بغافل عما تعملون ) [ فيه ] تهديد ووعيد شديد ، أي : [ أن ] علمه محيط بعملكم ، وسيجزيكم عليه

إرسال تعليق

أحدث أقدم