الحديث: عن حُمْران مولى عثمان بنِ عفان: أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ - رضي الله عنه - دَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنِ إنَائِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً، وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَاسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، وَقَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غَفَر اللَّه لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنِ ذَنْبِهِ».
■ حكم الحديث: متفق عليه
■ شرح الحديث: 〈الشيخ ابن عثيمين〉
بَعضُ مَنْ يَقْرَأُ الحَدِيثَ مِنْ هَذَا المُصَنَّفِ وَغَيْرِه، يَقُولُ: قَالَ المُصَنِّفُ: عَنْ (وَيَذكُرُ الصَّحَابيَّ إِلى آخِرِ الحَدِيثِ)، وَهَذَا في الحَقيقَةِ نَقلٌ نَقلَه المصَنِّفُ وَلم يَقُلْه، فَالصـوَابُ أنْ يُقَـالَ: «نقَلَ المُصَنِّفُ عَن.» أَو: «قَالَ المُصَنِّفُ فِيمَا نَقَلَه عَن.»، وَهذَا لَا بُدَّ مِنهُ فِي سَائِرِ كُتبِ الحَدِيثِ؛ لِأنَّ المصَنِّفَ نَاقلٌ، وَلَيسَ قَائلًا.
المِرْفق: هو طرف عظم الذراع مما يلى العضد.
قَالَ المؤَلفُ فِيمَا نَقَل: «عَنْ حُمْرانَ مَولَى عُثمَانَ بنِ عَفَّانَ»، مَولَاهُ أَيِ: الَّذِي أَعتَقَه عُثمَانُ، وَالعَتِيقُ يُسَمَّى مَولًى، وَالَّذِي أَعتَقَهُ أَيضًا يُسمَّى مَولًى، لَكِنِ الذِي أَعْتقَهُ يُسَمَّى مَوْلًى مِنْ أَعلَى، وَالْعَتِيقُ يُسَمَّى مَوْلًى مِنْ أَسْفَلَ، وَالمَوْلَى الأَعْلَى هُو الذِي يَرِثُ المَولَى مِنْ أَسْفَلَ، أَيْ إِذَا مَاتَ العَتيقُ فَإنَّ الذِي أَعتَقهُ يَرثُهُ إذَا لَم يَكُنْ لَه مَنْ يَرثُه، أَما إِذَا مَاتَ المَولَى الَّذِي أَعْتقَ فِإنَّ العَتِيقَ لَا يَرِثُه.
و(عَثمَانُ) لَا يَنصَرفُ لِلعَلَمِيَّةِ وَزِيَادةِ الأَلِفِ وَالنونِ، و(عَفَّانُ) كَذلِكَ؛ لِأنَّهُ مَأخُوذٌ مِنَ العِفَّةِ، وَهوَ ثَالثُ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ بِإجمَاعِ الصَّحَابةِ وَمِنْ بَعدِهِ عَلِيُّ بنُ أَبي طَالبٍ .
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ : «مَنْ طَعَنَ فِي خِلَافَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ».
وَقَالَ بَعضُ السَّلَفِ: «مَنْ طَعَنَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، فَقَدْ أَزْرَى بِالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ»؛ لِأَنَّهُمُ اتَّفقُوا عَلَى بَيْعَتِه.
قَولهُ: «أنَّهُ رَأَى عُثمَانَ» وَالرُّؤيَةُ هُنَا بَصَرِيَّةٌ؛ وَعَلَى هَذَا يَكونُ قَولُه: «فَدَعَا» جُملَةً حَاليَّةً في مَحلِّ نَصْبٍ.
رَأَى عُثمانَ «فَدَعَا بِوَضُوءٍ» بِفَتحِ الوَاوِ؛ لِأنَّ (الوَضُوءَ) بِالفَتحِ هُوَ المَاءُ الَّذي يُتوَضَّأُ بِهِ، وَ(الوُضوءُ) بِالضَّم الفِعْلُ.
وَلَـها نَظَائرُ: كـ(سَحُور) وَهُو الطَّعَامُ الَّذي يَتَسحَّرُ بهِ الإِنْسَانُ، و(سِحُورٌ) بِالكَسْر، هُوَ الفِعْلُ، وَكَذلِكَ (طَهورٌ)، وَ(طُهورٌ).
دَعَا عُثْمانُ بِطَهُور مِن أَجْلِ أنْ يَتَوضَّأَ أَمامَ النَّاسِ، وَيُعلِّمهُم كَيفِيةَ الوُضُوءِ بِالفِعلِ وَالمشَاهَدةِ.
قَولهُ: «فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ»: أَيْ: صَبَّ مِنْ إِنَاءِ الْوُضُوءِ، وَلَم يَغمِسْ يَدَيْهِ لأنَّ اليَدَ لَا تُغمَسُ إِلا بَعدَ أَن تَطهُرَ ثَلَاثَ مَراتٍ، حَتى وَإِن لَم يَكُنِ الإِنسَانُ قَائمًا مِن نَومِهِ.
فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّات، وَهَذَا الْغَسْلُ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي الْقُرْآنِ، لَكِنَّهُ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَمَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ كَمَا لَو جَاءَ فِي الْقُرْآنِ.
وَقَدِ احْتَجَّتْ إِحدَى النِّسَاءِ عَلى عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ حِينَ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ الله»، فَقَالتْ: إِنِّي قَرَأْتُ المُصْحَفَ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ فَمَا وَجَدْتُ أَنَّ اللَّهَ لَعَنَهُمْ»، فَاسْتَدَلَّ عَلَيْهَا أَنَّ مَنْ لَعَنَهُ الرَّسُولُ كَالَّذِي لَعَنَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾.
وَعَلَى هَذَا فَنَقُولُ: هَكَذَا الْغَسْلُ لَمْ يَأْتِ بِهِ الْقُرْآنُ لَكِنْ جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَجَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّهُ مَشْرُوعٌ.
قَولهُ: «فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ»، هَذِه ثَلَاثَةُ أَفعَالٍ، «تَمَضْمَضَ» أَيْ: أَدخَلَ الماءَ في فَمِه وَأَدَارَه فِيهِ، «وَاسْتَنْشَقَ» أَي: جَذَبَ المَاءَ بِنَفَسٍ إلَى دَاخِلِ الأَنفِ، «وَاسْتَنْثَرَ» أَيْ: أَخرَجَهُ بِنَفَسٍ إِلَى خَارِجِ الْأَنفِ.
قَولُه: «ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا»، وَتَعريفُ الوَجْـهِ: هُوَ مَا تَحْصلُ بـهِ المُواجَهَةُ، وَهوَ أَشرَفُ أَعضَاءِ الإِنْسِانِ؛ وَلِذَلكَ يُعَبَّر عَنِ الوَجْهِ بِالإِنْسَانِ، بَل يُعَبَّر بِالوَجْهِ عَنِ الإِنْسَانِ، وَعَبَّرَ اللَّهُ تَعَالى بِالوَجْهِ عَن نَفسِه، فَقَال تَعَالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن:٢٦-٢٧]، وَقَالَ: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص:٨٨].
حَدُّ الوَجْهِ: مِنَ الأُذُنِ إِلى الأُذُنِ عَرْضًا، وَمِن مُنحَنَى الجَبهَةِ مِنْ فَوْق إلَى أَسفَلِ اللِّحيَةِ طُولًا.
قَولهُ: «وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا»، وَالمِرْفقَانِ هُمَا مَفْصِلُ الذِّراعِ مِنَ العَضُدِ، وَسُمِّيَا مِرْفَقَينِ؛ لِأَنَّ الإِنْسَانَ يَرْتَفِقُ بِهمَا، أَي: يَتَّكِئُ عَلَيهمَا، وَهُمَا دَاخِلَانِ في الغَسْلِ بِدَلَالَةِ السُّنةِ عَلَى ذَلكَ، فَإنَّ النَّبِيَّ ﷺ إِذَا تَوَضَّأَ أَدارَ الماءَ عَلَى مِرفَقَيهِ.
وَثَبتَ في صَحيحِ مُسْلِمٍ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أنَّه غَسَلَ ذِرَاعَيْه حَتَّى شَرعَ في العَضُدِ، وَقالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَفْعَلُ.
وَاليَدُ فيهَا ثَلاثَةُ أَشيَاءَ:
الأُولَى: المَفْصِلُ الْأَعْلَى، وَيُسَمَّى المَنْكِبُ أَوِ الكَتِفُ.
وَالثَّاني: المِرْفَقُ.
وَالثَّالِثُ: الكُوعُ، وَالكُرسُوعُ، والرُّسْغُ.
العَضُد: هو ما بين المرفق إلى الكتف.
انظر النهاية فى غريب الحديث والأثر عضد.
الكوع: طرف الزند الذي يلي أصل الإبهام.
اللسان كوع.
الكرسوع: طرف رأس الزند مما يلى الخنصر.
النهاية كرسع.
وَالكُوعُ فِيه ثَلَاثَةُ أَشيَاءَ: كُوعٌ، وكُرسُوعٌ، ورُسْغٌ.
يَقُولُ النَّاظِمُ:
وَعَظْمٌ يَلِـي الْإِبْهَامَ كُوعٌ وَمَا يَلِـي *** لِخِنْصَرِهِ الْكُرْسُوعُ وَالرُّسْغُ فِي الْوَسَطِوَعَظْمٌ يَلِـي إِبْهَامَ رِجْلٍ مُلَقَّبٌ بِبُوعٍ *** فَخُذْ بِالْعِلْمِ وَاحْذَرْ مِنَ الْغَلَطِوَقَلِيلٌ مَنْ يَعرِفُ الفَرقَ بَينَ هَذِهِ الثَّلَاثِ.
قَولُه: «ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ»، وَالبَاءُ هُنَا لِلْإِلْصَاقِ، وَيَرَى بَعضُ المُعْرِبينَ: أَنَّ فِي العِبَارَةِ قَلْبًا، وَأَنَّ الأَصْلَ: «ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ»، وَلَكِنْ قَالَ هُنَا: «مَسَحَ بِرَأْسِهِ»، فَيقَالُ: لَا؛ لِأنَّ المسْحَ مَعرُوفٌ أَنَّه لَا يَكُونُ إِلَّا بِاليَدِ، وَلم يَقُل: «مَسَحَ رأْسَهُ» بَل قَالَ: «بِرَأْسِهِ» كَما في القُرْآنِ الكَرِيم؛ لِيُفِيدَ أَنَّه لَا بُدَّ مِنْ إِلصَاقِ اليَدِ بِالرَّأسِ.
فإِن سأَل سائِلٌ: لِـمَاذَا لَا نَقُولُ: إِنَّ عَدَمَ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ فِي هَذَا الحَدِيثِ صِفَةٌ مَشْرُوعَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْوُضُوءِ، كَمَا قُلْنَا: إِنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً صِفَةٌ مَشْرُوعَةٌ، وَلَـمْ نَقُلْ: إِنَّ غَسْلَهَا ثَلَاثًا فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى زِيَادَة ثِقَة؟
الجَوَابُ: بَينَهمَا فَرقٌ؛ لِأنَّ هَذَا زِيَادَةُ عَددٍ، وَكَمِّيةٌ فِي الرِّجْلِ، أَمَّا هَذَا فَفَرقُ عُضوٍ، فَالزيَادَةُ فِي الأَحَاديثِ الأُخرَى زِيَادةٌ في عُضوٍ.
قَولهُ: «ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا»: وَكِلْتَا رِجْلَيهِ يَعنِي اليُمْنَى وَاليُسْرَى.
وَقَالَ: «كِلْتَا» وَنَصَبهَا بِالأَلِفِ، وَلَم يَقُلْ: «كِلْتَيْ» وَيَنْصِبُهَا بِالْيَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا أَنْ تُضَافَ إِلَى ضَمِيرٍ؛ فَلِذَلِكَ هِيَ مُعْرَبَةٌ إِعْرَابَ المقْصُورِ، وَتَكُونُ: مَفْعُولًا بِهِ مَنْصُوبًا بِفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الْأَلِفِ، مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ.
«ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، وَقَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، يَعنِي بَعدَ أَنِ انتَهَى مِنْ هَذَا الوُضُوءِ الذِي يُعتَبَر سَابِغًا كَامِلًا.
قَولهُ: «نَحْوَ وُضُوئِي»: أَي: مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا، وَالمُشَارُ إِلَيْهِ مَا سَبَقَ، وَحِينَئذٍ نَعْلَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ المُشَارُ إِلَيْهِ قَدْ مَضَى، وَذَلكَ لِقُرْبهِ، «ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» وَلم يُبَيِّنْ هَل هُمَا نَفْلٌ أَو فَرْضٌ؛ وَعَلى هَذَا فيَشْمَلُ النَّفلَ وَالفَرضَ، «لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ»، وَحَدِيثُ النَّفسِ مَعرُوفٌ، وَيُسَمَّى عِندَ النَّاسِ بِالهَوَاجِسِ.
إِذَا قَالَ قَائلٌ: «لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ»، أَي لَا يُفَكِّرُ بِشَيء، بَلْ قَلبُهُ خَاشِعٌ يَتأَملُ مَا يَقُولُ وَمَا يَفعَلُ.
أَلَيسَ الإِنْسَانُ سَيَقرأُ القُرْآنَ، وَيَقولُ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ؟
نَقولُ: بَلَى، لَكِنَّ هَذَا لَيسَ مِن حَديثِ نَفسِهِ، هَذَا مُنَاجَاةٌ مَعَ اللَّهِ .
قَولهُ: «غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، و«غُفِرَ» مِنَ المَغْفِرَة وَالغُفْرَانِ، وَهوَ سَتْرُ الذَّنبِ مَعَ التَّجَاوزِ عَنهُ، وَلَابدَّ مِنَ الأمْرَينِ، فيَسْتَتِر التَّجَاوُزُ؛ لِأنَّه مَأخُوذٌ مِنَ (المِغْفَر) وَهُو مَا يُوضَعُ فَوقَ الرَّأسِ لِلوِقَايَةِ مِنَ السِّهامِ، وَقَد حَصَلَ بِهِ السِّترُ وَالوِقَايةُ.
وَ(غُفرَ) وَالغَافِرُ هُوَ اللَّهُ، حُذِفَ لِلعِلمِ بِه، كَقَولِه تَعَالى: ﴿وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء:٢٨] فَالخَالِقُ هُو اللَّهُ فَحُذفَ الفَاعلُ وَأقِيمَ نَائبُ الفَاعلِ مَقَامَه لِأنَّه مَعلُومٌ.
كَيفَ نَعلَمُ أَنَّ الَّذي يَغفِرُ هُوَ اللَّهُ؟
نَعلَمُ ذَلكَ مِن قَولِه تَعالَى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران:١٣٥]، وَلَوِ اجتَمَعَتِالأُمةُ كلُّها عَلى أَن تَغفِرَ ذَنبَ وَاحدٍ مِنَ النَّاسِ مَا استَطَاعُوا إِلى ذَلكَ سَبيلًا، بَلْ إِنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ نَفسَهُ لَا يَستَطِيعُ أَن يَغفِرَ لِأحَدٍ.
فَإذَا قَالَ قَائلٌ: كَيْفَ تَقُولُ ذَلكَ، وَقَد قَالَ اللَّهُ تَعالَى: ﴿قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الجاثية:١٤]، فَأثْبَتَ المَغفِرَةَ لَـهمْ، فَكَيفَ الجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِه ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران:١٣٥]، وقَولِه: ﴿يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ﴾ [الجاثية:١٤]؟
فَالجَوابُ: أَنَّ المَغْفِرةَ الَّتِي لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ اللَّهِ هِيَ مَغفِرةُ الذُّنوبِ، وَأَمَّا المَغفِرَةُ الَّتِي تَكُونُ مِنَ العَبدِ فَهِيَ مَغفِرَتُه عَنْ إِسَاءَةٍ وَقعَتْ مِنْ شَخْصٍ عَليه، فَيغفِرُ لَه كَما قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى:٤٣]، فَرَجُلٌ اغتَابَكَ وَجاءَ يَستَحِلكَ فَإِنَّ مَغفِرتَكَ لَه هُوَ مُسَامَحتُكَ لَه وَعفوُكَ عَنهُ، فَالمَغفِرَةُ الَّتِي اخْتَصَّ اللَّهُ بهَا شَيءٌ آخَرُ غَير المَغفِرَةِ التِي تَكُونُ مِنَ العَبدِ.
وقَولهُ: «مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، فـ(مَا) اسْمُ مَوصُولٍ، مِن صِيغِ العُمُومِ، وَكُلُّ اسْمٍ مَوصُولٍ فَإنهُ لِلعُمُومِ حَتَّى لَو كَانَ مُفرَدًا، كَما فِي قَولِه تَعالَى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [الزمر:٣٣]، فـ(الذِي) مُفرَدٌ مُخبَرٌ عَنهُ بِـ﴿هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾.
وَكَلِمَةُ (ذَنْب) مُفْرَدٌ مُضافٌ، يُفيدُ أَيضًا الْعُمومَ.
فَفِي هَذهِ الجُملَةِ تَعمِيمانِ:
الأَولُ: تَعمِيمُ الِاسمِ المَوصُولِ.
الثَّاني: تَعميمُ المُبَيِّنِ لهذَا الاسْمِ المَوصُولِ.
فَهلْ يُغفَرُ لِلإنسَانِ كُلُّ مَا سَبقَ مِن ذُنُوبِه وَلَو كَانَ كَبيرًا؟
الجَوابُ: نَعمْ، أَخذَ بهذَا بَعضُ العُلماءِ، وَقَالَ: إِن مَن تَوضَّأَ نَحوَ هَذا الوُضوءِ ثُمَّ صَلَّى رَكعَتَينِ لَا يُحدِّثُ فِيهمَا نَفسَهُ فَإنَّه يُغفَرُ لَه مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِه وَلَوْ كَانَ مِنْ أَكبَرِ الكَبائِرِ وَلَو كَانَ الشِّركَ.
وَلكِنَّ جُمهورَ أَهلِ العِلمِ يَقولُونَ إِنَّ هذَا خَاصٌّ بِالصغَائِرِ، فَهوَ مِن بَابِ العُمُومِ المرَاد بِهِ الخُصُوصُ، وَاسْتَدَلُّوا لِذلِكَ بِأنَّ النبِيَّ ﷺ قَالَ: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِـمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» وَجهُ الدَّلالَةِ مَا اجتُنبَتِ الكَبائِرُ، قَالُوا: فَإذَا كَانَتْ هَذهِ الصَّلواتُ الخَمسُ وَهيَ أحَدُ أَركَانِ الإِسلَامِ بَعدَ الشَّهادَتينِ وَصِيامُ رَمَضَانَ وَهوَ الرُّكنُ الرَّابِعُ مِن أَركانِ الإِسلَامِ لَا يَقوَى عَلَى تَكفِيرِ الكَبَائِرِ، فَما دُونَ ذَلكَ مِن بَابِ أَولَى، فَلا يُمكِنُ أَن نَقولَ إِنَّ الصَّلاةَ لَا تَغفِرُ إِلا الصَّغَائِرَ، ثُم نَقولُ: إِنَّ الوُضُوءَ يُكَفِّر الصَّغَائِرَ وَالكَبَائِرَ، هَذَا بَعيدٌ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْعُمُومُ هُنَا يُرَادُ بِه الخُصُوصُ.
وهَلْ يُمكِنُ أَن يَأتيَ لَفظٌ عَامٌّ يُرادُ بِه الخُصُوصُ؟
نَعَمْ، كَما فِي قَولِهِ : ﴿مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ [الذاريات:٤٢]، فَقَولُه: ﴿مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ﴾ عَامٌّ، لَكِنْ يُرادُ بهِ الخُصُوصُ؛ لِقَولِه تَعَالى في آيَةٍ أُخْرَى: ﴿فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾ [الأحقاف:٢٥]، وَلكِنَّ بعضَ العُلَماءِ قَالَ: إِنَّ هَذَا مِن بَابِ المَخصُوصِ بِالعَقْلِ.
وَمَثلُوا لِلعَامِّ الذِي يُرَادُ بِه الخُصُوصُ بِقولِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾ [آل عمران:١٧٣]، قَالُوا: فَإنَّ قَولَهُ: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ﴾ فَكُلٌّ يَدرِي أَنهُ لَيسَ كُلُّ الناسِ جَاءُوا لِلرَّسولِ وَأصحَابِهِ
صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنهُم فَأَخبَروهُ، إِنَّما أَخبَرَهُم بِذَلكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَهُوَ نُعيمُ بنُ مَسعُودٍ، وَكَذلِكَ قَولُه: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ فَهذَا عَامٌّ يَشمَلُ جَميعَ النَّاسِ في مَشَارِقِ الأَرضِ وَمغَارِبِها، لَكِنِ الذِينَ جَمعُوا لَـهمْ هُمْ قُرَيشٌ، فَهذَا أَيضًا عَامٌّ أُريدَ بِه الخَاصُّ.
إِذَنْ فَقَولُه: «غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» الرَّاجِحُ مَا ذَهبَ إِلَيهِ الجُمهُورُ، وَهُوَ أَنَّه عَامٌّ أُريدَ بهِ الخُصُوص، وَأنَّ الوُضُوءَ لَا يُمكنُ أَن يُكَفرَ جَميعَ الذُّنوبِ الصَّغَائرَ وَالكَبَائِرَ.
وَالذَّنبُ، أيِ: المَعصِيةُ.
مِنْ فَوَائِدِ هَذَا الحَدِيثِ:
• الفَائِدَةُ الأُولَى: أُمورٌ شَاهِدةٌ للتَّرجَمَةِ، أَيْ: لِكتَابِ الطَّهَارةِ وَصفَةِ الوُضوءِ الكَامِلةِ، وَقدْ تَقدَّمَ.
• الفَائِدَةُ الثَّانيَةُ: تَواضُعُ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ حَيثُ دَعَا بِماءٍ يَتوضَّأُ بِهِ أَمامَ النَّاسِ ليُعَلِّمَهم كَيفَ كَانَ النبِيُّ ﷺ يَتَوضَّأ، وَهذَا مِن تَمامِ الأَمانَةِ في نَقْل السُّنَّةِ.
• الفَائِدَةُ الثَّالِثةُ: التَّعلِيمُ بِالفِعلِ أَقوَى مِنَ التَّعلِيمِ بِالقَولِ، وَهذَا مِن وَجْهَينِ:
الوَجْهِ الأَولِ: قُربِ التَّصَوُّر.
الوَجْهِ الثَّاني: بَقَاءِ الحِفْظ؛ لِأنَّ الإِنْسانَ إذَا شَاهدَ الشَّيْءَ ارْتسَمَتْ صُورَتُه فِي ذِهنِه، فَاجتَمعَ الحفظُ، وَارْتِسَامُ الصُّورَةِ، فَيكُون ذَلكَ أَبقَى لحِفْظِ الإِنْسَانِ.
وَلهذَا لَو وَصَفْتَ لإِنْسانٍ صِفةَ الصَّلاةِ، يَقُومُ فَيكبِّرُ، وَيَقْرأُ الفَاتحةَ، وَمَا أَشْبهَ ذَلكَ إِلى آخِرِ الصَّلَاةِ، لَم يَتَصَورْها كَمَا لَو صَلَّيْتَ أَمَامَه؛ وَلِهَذا قَالَ النبِيُّ ﷺ حِينَصَعِدَ عَلَى المِنبَرِ، وَصَارَ يُصلِّي عَلَيهِ إلَّا في السُّجودِ، فَينزِلُ وَيصلِّي عَلَى الأَرْضِ، قَالَ: «فَعَلْتُ ذَلِكَ لِتَأْتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتَكُمْ».
• الفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: جَوَازُ سُؤَالِ الْغَيْرِ إِذَا كَانَ لِلسَّائِلِ فَضْلٌ عَلَى المسْؤُولِ، وَالنَّهْيُ عَنْ سُؤَالِ الْغَيْرِ خَوْفًا مِنْ إِذْلَالِ النَّفْسِ أَوْ تَذَلُّلِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ .
وَلهَذَا تَجدُ أَنَّ النَّبيَّ ﷺ دَائِمًا يَسأَلُ، لَكنَّهُ يَسْألُ لِيَنالَ المسئُولُ شَرَفًا بِسؤَالِه ولَيْسَ فيهِ إِذلَالٌ لِلنَّفسِ، وَكَذلِكَ إذَا عَرَفتَ أَنكَ إِذَا أَمَرتَ هَذَا الشَّخصَ أَنْ يَقضِيَ لَكَ حَاجَةً، فَإِنَّكَ أَنْتَ الَّذِي تَمُنُّ عَلَيهِ وَلَيسَ هُوَ الَّذِي يَمُنُّ عَلَيكَ، وَهَذا لَيسَ مِنَ السؤَالِ المذْمُومِ؛ لِأنَّ السُّؤالَ المذْمُومَ هُوَ الَّذِي يَحْصلُ بِهِ إِذْلَالُ النَّفسِ وَالتَّذَللُ لِغَيرِ اللَّهِ .
• الفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: اسْتِحْبَابُ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ ثَلَاثًا قَبْلَ الْبَدْءِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِقَوْلِهِ: «فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ».
• الفَائِدَةُ السَّادِسةُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَبَّ الماءُ صَبًّا عَلَى الْإِنْسَانِ فِي كُلِّ الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا يُفْرَغُ عَلَيْهِ بِقَدرِ الحَاجَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الْإِسْرَافِ.
وَمِنْ ثَمَّ، نَنْتَقِلُ إِلَى مَا يَفْعَلُهُ بَعضُ النَّاسِ بِفَتْحِ صُنْبُورِ الماءِ عَنْ آخِرِهِ، بَيْنَمَا يُمْكِنُ غَلْقُهُ، وَلَيْتَ النَّاسَ يَسْتَعْمِلُونَ بَعضَ الصَّنَابِيرِ الَّتِي إِذَا ضَغَطْتَهَا صَبَّتْ، وَإِذَا رَفَعْتَ يَدَكَ عَنْهَا تَوَقَّفَتْ، هَذَا فِيهِ تَوْفِيرٌ لِلْمَاءِ، قَدْ يَكُونُ فِي هَذَا مَشَقَّةٌ عَلَى النَّاسِ لَكِنَّ فِيهِ تَوْفِيرًا لِلْمَاءِ كَثِيرًا.
وقوله: «لتأتَمُّوا»: الأم بالفتح القصد، أمَّه يَؤُمه أمًّا إذا قصده.
انظر تاج العروس أمم.
وتُؤْخَذُ هَذِه • الفَائِدَةُ مِن فِعْلِ عُثْمانَ فَلَمْ يَقُلْ لِأَحدٍ مِنَ النَّاسِ: اصْبُبْ عَلَيَّ، وَإنَّما كَانَ يُفرِغُ عَلَى نَفسِهِ مِنَ الإِناءِ بِقَدرِ الحَاجَةِ.
• الفَائِدَةُ السَّابِعةُ: مَا ذَكَرهُ بَعضُ العُلَماءِ: أَنْ يَكونَ الإِنَاءُ عَنْ يَمِينِكَ إِذَا كَانَ وَاسِعًا، وَعَن يَسَارِكَ إِذَا كَانَ ضَيِّقًا، وَتُؤخَذُ • الفَائِدَةُ مِنْ قَولِهِ: «ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الوَضُوءِ»، فَيَدُلُّ عَلَى أَن الإِنَاءَ عَنْ يَمِينِه؛ لِأنَّهُ يُدخِلُ يَدَه فِي الإِنَاء لِوُسعِهِ، لَكِنْ إِذَا كَانَ ضَيِّقًا، اجْعَلْه عَنْ يَسَارِكَ؛ لِأَنكَ سَوفَ تُفْرِغُ مِنهُ بِيَدكَ اليُسْرَى عَلَى يَدِك اليُمْنَى.
الفَائِدةُ الثَّامِنةُ: مَشْرُوعِيَّةُ المَضْمَضَةِ، وَالاسْتِنْشَاقِ، وَالاسْتِنْثَار، أَمَّا المَضْمَضَةُ وَالاسْتِنْشَاقُ فَوَاجِبَانِ دَاخِلَانِ فِي فَرْضِ غَسْلِ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْأَنْفَ وَالْفَمَ فِي دَاخِلِ الْوَجْهِ، وَمِمَّا تَحْصُلُ بِهِمَا المُوَاجَهَةُ، وَهُمَا مُعَرَّضَانِ لِلْأَوْسَاخِ، أَمَّا الِاسْتِنْثَارُ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ، كَمَجِّ المَاء فِي المَضْمَضَةِ، لَكِنَّ الاسْتِنْثَارَ آكَدُ سُنِّيَّةً مِنْ مَجِّ المَاءِ فِي المَضْمَضَةِ؛ لِوُرُودِ السُّنَّة بِهِ.
• الفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: مَشرُوعِيَّةُ غَسْلِ الوَجْهِ بَعْدَ المَضمَضَةِ وَالِاسْتِنشَاقِ.
• الفَائِدَةُ العَاشِرَةُ: غَسْلُ اليَدَيْن إلَى المِرْفقَيْن.
• الفَائِدَةُ الحَادِيةَ عَشْرَةَ: مَسحُ جَميعِ الرَّأْس.
• الفَائِدَةُ الثَّانيَةَ عَشْرَةَ: لَا يُسَنُّ غَسْلُ الرَّأسِ؛ لِأنَّ القُرْآنَ وَالسُّنةَ جَاءَا بِالمسْحِ دُونَ الغَسْلِ، فَإِنْ غَسَلَ بَدَلًا عَنِ المَسْحِ، فَلَا يُجْزِئُهُ؛ لِقَولِ النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه وَسَلَّمَ-: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، وَلَا عِبرَةَ لمَنْ قَالَ
بِمَسحِ جُزءٍ مِنَ الرَّأسِ؛ مُعَلِّلًا ذَلكَ بِأنَّ سُقُوطَ الغَسلِ عَنِ الرَّأسِ مِنْ بَابِ التَّرْخِيصِ وَالتَّسهِيلِ قِيَاسٌ لمُقَابِل النَّصِّ.
وَيُجْزِئُ مَنْ غَسَلَ وَمَسَحَ يَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِيَدَيْهِ عَلَى الرَّأْسِ مَعَ الْغَسْلِ؛ لِأَنَّهُ مَسَحَ.
• الفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ لَا يُكَرَّرُ؛ لِأنَّهُ لَم يُكَرِّرْه، بَلْ قَالَ: «مَسَحَ بِرَأْسِهِ»، وَهُو كَذَلِكَ؛ لِأنَّهُ لـمَّا خُفِّفَ فِي تَطْهِيرِه، خُفِّفَ في كَمِّيَّتِه، فَتَطهِيرُه كَيفيَّةٌ مُخَفَّفةٌ؛ فَكمِّيَّتُه كَذَلِكَ.
• الفَائِدَةُ الرَّابعَةَ عَشْرَةَ: غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ بَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ، كَمَا أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ بَعْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ؛ لِقَوْلِهِ: «ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ».
• الفَائِدَةُ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ: مَشرُوعِيةُ صَلَاةِ رَكعَتَيْن بَعدَ الوُضُوءِ؛ لِقَولِه ﷺ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ».
وَهَلْ تُصَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ؟ الجَوَابُ: نَعَم، عَلَى الرَّاجِحِ؛ وَذَلكَ لِأنَّ كُلَّ صَلَاةِ نَافِلةٍ إِذَا كَانَ لـهَا سَببٌ فَلَا نَهْيَ عَنْهَا، فَعَلَى هَذَا نَقُولُ: إِذَا تَوضَّأَ بَعدَ العَصرِ فَليُصَلِّ رَكعَتَيْن، وَإذَا تَوَضَّأَ بَعدَ الفَجرِ صَلَّى رَكعَتَيْن.
• الفَائِدَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: فَضِيلَةُ الإِمْسَاكِ عَنْ حَديثِ النَّفْسِ في الصَّلَاة لِقَولِهِ: «لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ».
• الفَائِدَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: تَحدِيثُ النَّفْسِ يَنقُصُ أَجرَ الصَّلَاةِ وَلَا يُبطِلُها، لَكنَّهُ لَا يُبطِلُ الصَّلَاةَ.
وَاختَلَفَ أَهلُ العِلمِ في بُطْلَانِها:
فَيَرَى بَعضُهُمْ أَنَّهُ لَو غَلَبَ حَدِيثُ النَّفْسِ عَلَى أَكْثَرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ المَقْصُودَ بِالصَّلَاةِ الخُشُوعُ؛ وَلِهَذَا نُهِيَ الْإِنْسَانُ أَنْيُصَلِّيَ وَهُوَ يُدَافِعُ الأَخْبَثَيْن أَوْ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، أَوْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ مَا يُلْهِيهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
أَمَّا جُمهُورُ العُلَمَاءِ فَعَلى أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَلَو غَلَّبَ حَدِيثَ النَّفسِ عَلَى أَكْثَرِهَا، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا ثَبتَ عَنِ النَّبيِّ ﷺ أَنَّ الشَّيطَانَ يَأْتِي إلَى المُصَلِّي فَيَقُولُ: «اذْكُرْ كَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا»، وَيَظَلُّ يُذَكِّرهُ مَا نَسِيَ.
• الفَائِدَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: غُفرَانُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَلَكنْ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ:
الشَّرْطُ الأَوَّلُ: أَنْ يَتَوضَّأَ عَلَى الكَيفِيَّةِ المَذْكُورَةِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يُصَلِّيَ رَكعَتَيْن لَا يُحدِّثُ نَفسَهُ فِيهِمَا.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَلَّا تَنقُصَ الصَّلَاةُ عَن رَكْعتَيْن.
وَظَاهرُ الحَدِيثِ أَنَّه يُغفَرُ لَهُ حَتَّى الكَبَائِر؛ وَبِذَلكَ أَخَذَ بَعضُ أَهلِ العِلمِ، لَكِنَّ الجُمهُورَ عَلَى أَنَّ تَكفِيرَ الحَسَنَاتِ لِلسَّيِّئَاتِ إِنَّما يَشمَلُ الصَّغَائِرَ فَقَطْ، وَاستَدَلُّوا بِقَولِ النَّبيِّ ﷺ: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِـمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ».
وَقَالُوا: إِذَا كَانَتْ هَذِه العِبَادَاتُ الكَبِيرَةُ الْعَظِيمَةُ لَا تُكَفِّرُ إلَّا بِاشْتِرَاطِ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، فَمَا دُونَهَا مِن بَابِ أَوْلَى.
وقَالَ آخَرُونَ: لَا يُحْجَرُ عَلَى اللَّهِ وَلَا عَلَى رَسُولِهِ، فَمَا أَطْلَقَهُ اللَّهُ وَرَسُولُه أَطلَقنَاهُ، وَمَا قَيدَهُ اللَّهُ ورَسُولُهُ قَيَّدنَاهُ.
فَعَلَى هَذَا نَقُـولُ: فَضـلُ اللَّهِ وَاسِعٌ؛ فَيَغْفِـرُ مَا تَقـدَّمَ مِنَ الذُّنُـوبِ الصَّغَائرِ وَالكَبَائِرِ.
• الفَائِدَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: التَّسْمِيةُ عَلَى الوُضُوءِ غَيرُ وَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَم تُذكَرْ، لَكنْ إِنْ سَمَّى فَهوَ أَكْمَلُ؛ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَصِحَّ حَدِيثُ: «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ»، وَلَقَد قَالَ الإِمَامُ أَحمدُ في هَذَا الحَدِيثِ: «لَا يَثْبُتُ فِي هَذَا البَابِ شَيْءٌ»، فَإنْ سَمَّى فَهوَ خَيرٌ، وَإِلَّا فَالوُضُوءُ صَحِيحٌ.
• الفَائِدَةُ العِشْرُونَ: القَصْدُ يُعتَبرُ نِيةً.
فَفِي الحَدِيثِ لَـم يُتَلَفظْ بِالنِّيَّةِ؛ لِأنَّه لَا يُمكِـنُ أَنْ يَفعَـلَ عَاقِلٌ مُختَارٌ فِعْلًا إِلَّا بِنِيَّة، فَهوَ دَعَا بِوَضُوءٍ لِيَتَوَضَّأَ، وَقالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي، فَالنِّيَّةُ هُنَا مَوجُودَةٌ؛ وَلهَذَا قَالَ بَعضُ العُلَماءِ: «لَوْ كَلَّفَنَا اللَّهُ عَمَلًا بِلَا نِيَّةٍ؛ لَكَانَ مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ» وَصَدقَ! فَلَو قِيلَ لَكَ: صَلِّ وَلَا تَنوِ، أَو تَوَضَّأْ وَلَا تَنوِ، فَلَنْ تَستَطِيعَ!.
وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَقِيلٍ أَحَدِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَالَ: «أَيُّهَا الشَّيْخُ، إِنِّي ذَهَبْتُ أَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ فِي نَهْرِ دِجْلَةَ، وَانْغَمَسْتُ فِيهِ، وَخَرَجْتُ وَلَمْ أَرَنِي تَطَهَّرَتُ لِأَنَّنِي لَمْ أَنْوِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَقِيلٍ: أَرَى أَلَّا تُصَلِّي، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَلِـمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ»، وَأَنْتَ مَجْنُونٌ، كَيْفَ تَنْغَمِسُ بِنَهْرِ دِجْلَةَ تُرِيدُ التَّطَهُّرَ مِنْ جَنَابَةٍ بِلَا نِيَّةٍ؟
»، يَعْنِي مَا الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ بَيْتِكَ، وَجَاءَ بِكَ إِلَى النَّهْرِ وَتَغَسَّلْتَ؟ إِنَّهَا النِّيَّةُ لَا شَكَّ.
وَلِـهَذَا يَجِبُ أَنْ نَقُولَ لِمَنْ أُصِيبَ بِالْوَسْوَاسِ فِي الصَّلَاةِ: كَيْفَ فَعَلْتَ؟ هَلْ تَفْعَلُ بِلَا نِيَّةٍ؟ فَإِذَا قَالَ: وَاللَّهِ مَا نَوَيْتُ، فَنَقُولُ: لَا عَلَيْكَ! وَوُضُوؤُكَ صَحِيحٌ، وَصَلَاتُكَ صَحِيحَةٌ.
• الفَائِدَةُ الحَادِيَةُ وَالعِشرُونَ: لَا يُسَنُّ النُّطقُ بِالنِّيَّةِ، وَقَال بَعضُ العُلَماءِ: «يُسَنُّ النُّطْقُ بِالنِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُطَابِقَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ»، فَتَكونُ العِبَادَةُ انعَقَدَتْ بِالقَلبِ وَاللِّسانِ.
وَقَالَ آخَرونَ: «يُسَنُّ النُّطْقُ بِالنِّيَّةِ جَهْرًا؛ إِظْهَارًا لِشَعَائِرِ الدِّينِ».
وَرَأَى ورى رَجلٌ عَامِّيٌّ مِنْ عَامةِ النَّاسِ شَخصًا في المَسجِدِ الحَرَامِ قَامَ لِصَلَاةِ الظُّهرِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي نَوَيْتُ أَنْ أُصَلِّيَ صَلَاةَ الظُّهْرِ فَرِيضَةً أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ خَلْفَ إِمَامِ الحَرَمِ المَكِّيِّ»، وَلـمَّا أَرَادَ أَن يَقُولَ: «اللَّهُ أَكبَرُ»، قَالَ لَهُ العَامِيُّ: مَاذَا تَقولُ؟ قَالَ لَهُ: «هَذِهِ هِيَ النِّيَّةُ المَطْلُوبَةُ»، فَقَالَ: «أَنْتَ الْآنَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الحَرَمِ المَكِّيِّ، وَبِهَذَا عَيَّنْتَ المَكَانَ، فَعَيِّنِ الْآنَ الزَّمَانَ، قُلْ: فِي يَوْم كَذَا، مِنْ شَهْرِ كَذَا، مِنْ سَنَةِ كَذَا؛ حَتَّى تَكُونَ المَسْأَلَةُ مُحَرَّرَةً مَضْبُوطَةً؛ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ!».
وَقالَ آخَرُونَ: «يُسَنُّ الإِسرَارُ»، وَقالَ غَيرُهُم: «النُّطقُ بِالنِّيَّةِ سِرًّا أَو جَهْرًا بِدعَةٌ»، فَأَيُّهُم أَسْعَدُ بِالدَّلِيلِ؟
الْأَخِيرُ لَا شَكَّ أَسْعَدُ بِالدَّلِيلِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ، وَهِيَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَبِّكَ.
فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: أَنَا أَنطِقُ بِالنِّيَّةِ، لَا أُريدُ إِظهَارَ الإِخْلَاصِ؛ لِأنَّ الإِخْلَاصَ بَينِي وَبَينَ رَبِّي، لَكِنْ أُريدُ تَعْيِينَ العِبَادَةِ.
قُلنَا: أَيضًا التَّعَينُ تَابعٌ لِلنِّيةِ فِي الإِخْلَاصِ، فَمَحَلُّه القَلبُ.
اسْتَثْنَى بَعضُ الْعُلَمَاءِ النُّطْقَ بِالنِّيَّةِ فِي الحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا اسْتِثْنَاءَ، وَإِنَّ قَـوْلَ النَّاسِكِ: «لَبَّيْكَ عُمْـرَةً» لَيْسَ هُـوَ النِّيَّةَ، لَكِنَّهُ إِظْهَارٌ لِـهَذِهِ الشَّعِيرَةِ المَطْلُوبَةِ، وَهِيَ التَّلْبِيَةُ، وَالتَّلْبِيَةُ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَلَيْسَتْ مُجَرَّدَ نُطْقٍ بِالنِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ لَبَّيْكَ حَجًّا.
وَأَمَّا مَجِيءُ الآتِي إِلَى الرَّسُولِ ﷺ وقَوْلُهُ لَه: «صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي المُبَارَكِ وَقُلْ: عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ»، فَهَذَا إِرْشَادٌ مِنهُ إِلَى أَنَّ التَّلبِيَةَ تَكُونُ بِحَجٍّ وَعُمْرَة، أَوْ مَقْرُونَينِ؛ لِأَنَّ النَّبيَّ ﷺ حَجَّ قَارِنًا.
• الفَائِدَةُ الثَّانِيةُ وَالعِشرُونَ: التَّرغِيبُ في الجَمعِ بَينَ الوُضُوءِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَالصَّلَاةِ، فَهَذَا سَببٌ لمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ.
ثُمَّ بَعْدَ الوُضُوءِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ؛ الصَّلَاةُ رَكعَتَيْن بِدُونِ تَحدِيثِ النَّفسِ، وَذَلكَ بِذِكْرِ هَذَا الثَّوَابِ العَظِيمِ عَلَى فِعْلِهمَا؛ لِأَنَّ هَذَا ثَوَابٌ عَظِيمٌ، وإِلَّا فمَتَى تَحْصُل عَلى مَحوِ مَا سَبَقَ مِن ذُنُوبِكَ؟ كُلٌّ يَسْعَى إِلى أَن يَخرُجَ مِن هَذِه الدُّنيَا مَغفُورًا لَه، وَهَذهِ مِنْ أَسْبَابِ المغْفِرَةِ، وَمَا تَدْرِي؛ لَعَلَّك تَمُوتُ بَعدَ الرَّكعَتَيْنِ مُبَاشَرَةً، فَتَنْتَقلُ إِلى اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ، فَفِي هَذَا تَرغِيبٌ عَظِيمٌ لِلجَمْعِ بَينَ هَذَا الوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ.
وَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ عَدَمُ صِحَّةِ التَّطَوُّعِ بِرَكْعَةٍ؟
الجَوَابُ: نَعَمْ، فَلَا يَصِحُّ التَّطوُّعُ بِرَكعَةٍ، وَأنَّه لَا تَوتِيرَ في الصَّلَاةِ إلَّا في الوِترِ، وَأنَّ التطَوُّعَ بِرَكعَة، أَو ثَلَاثٍ، أَو خَمسٍ بِدعَةٌ، وَإِنْ كَانَ قَد رُوِيَ عَن بَعضِ الصَّحَابَةِ أَنَّه تَطَوَّعَ بِرَكعَةٍ لَكِنَّه قَولٌ مَرجُوحٌ.
وَهَل يُؤخَذُ مِن ظَاهِر الحَدِيثِ أَنَّه لَا تُمْسَحُ الأُذُنَانِ؟
الجَوَابُ: نَعَمْ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ قَدْ دَلَّتِ السُّنةُ في حَدِيثٍ آخَرَ بِأَنَّهمَا يُمسَحَانِ، وَأَنَّهمَا مِنَ الرَّأسِ.
وَمَا صِحَّةُ الحَدِيثِ عِندَ أِبي دَاودَ في مَسْحِ الـرَّأسِ ثَلَاثًا، وَمَسـحِ الأُذُنَينِ ثَلَاثًا؟
الجَوَابُ: أَنَّ مِثلَ هَذَا الحَدِيثِ يَكُونُ شَاذًّا لمُخَالَفَتِه الثِّقَاتِ، هَذَا إنْ كَانَ رَاوِيهِ ثِقةً، وَأَمَّا إِنْ كَانَ ضَعِيفًا، فَوَاهٍ مِنَ الأَصْلِ وَنَنسَاهُ.
الْفَائدَةُ الثَّالثَةُ والعِشرُونَ: ثُبُوتُ وَلاءِ العِتقِ، وَأَنَّهُ أَمرٌ مَشهُورٌ بَينَ المُسلِمِينَ، يُؤخَذُ مِنْ مَولَى عُثمَانَ.
الفَائِدةُ الرَّابعَةُ وَالعِشرُونَ: فَضيلَةُ عُثمانَ ، حَيثُ تَوضَّأَ وَهُوَ الخَليفَةُ أَمامَ النَّاسِ لِيشَاهِدُوا فِعلَهُ.
الفَائِدةُ الخَامِسةُ وَالعِشرُونَ: أَنهُ يَنبَغِي نَشرُ العِلمِ بِالتَّعلِيمِ الْقَولِي وَالتَّعلِيمِ الفِعلِيِّ.
أَوَّلًا: التَّعلِيمُ القَولِيُّ؛ أَن أَقُولَ إِذَا أَرَدتَ أَن تَتَوضأَ فَافعَلْ كَذَا وَكذَا.
ثَانِيًا: التَّعلِيمُ الفِعلِيُّ؛ أَنْ أَفعَلَ الشَّيءَ أَمامَكَ وَيُسمَّى تَطبِيقًا.
وَالفِعلِيُّ أَنفَعُ؛ لِأَنَّهُ يُمَكَّنُ في الذِّهنِ وَيُدرِكُهُ الإنْسَانُ إِدرَاكًا تَامًّا.
• الفَائِدَةُ السَّادِسةُ وَالعِشرُونَ: جَوازُ سُؤالِ الغَيرِ إذَا لَم يَكُنْ في ذَلِكَ مَذَلَّةٌ لِقَولِه: «دَعَا بِوَضُوءٍ»، وَلَكِنْ إِذَا دَارَ الأَمرُ بَينَ السؤَالِ وَبينَ أَن يَخدُمَ الإنسَانُ نَفسَهُ فَالأَولَى أَنْ يَخْدُمَ نَفسَهُ، وَلهَذَا بَايَعَ النَّبِيُّ أصحَابَه أَلَّا يَسأَلُوا النَّاسَ شَيئًا،أخرجه أبو داود: كتاب الطهارة، باب صفة وضوء النبى ﷺ رقم (١١٧).
فَكانَ سَوطُ أَحدِهِم يَسقُطُ مِن عَلى بَعيرِهِ وَيَنزِلُ وَيأخُذُ السَّوطَ وَلا يَقُولُ نَاوِلُوني السَّوطَ.
وَهَكَذا يَنبَغِي لَنا أَيهَا الإِخْوَةُ أَن نَكُونَ أَعِزَّاءَ وَأَلا نُذلَّ أَنفُسَنَا لِأَحَدٍ بِأَيِّ سُؤالٍ حَتَّى وَإنْ كَانَ جَائزًا، فَالتَّرفُّعُ عَنْ سُؤالِ النَّاسِ لَا شَكَّ أَنَّهُ أعَزُّ لِلإنسَانِ وَأَصْوَنُ لماءِ وَجهِهِ.
أَمَّا كَونُ بَعضِ الناسِ سَؤُولًا سَواءٌ كَانَ سَؤُولًا بِالقَولِ، أَو سَؤُولًا بِالفِعلِ وَالإشَارةِ وَالتَّعرِيضِ، فَينبَغِي لِلإنسَانِ أَن يَكُونَ عَزيزَ النَّفسِ، وَلا يَسأَلُ أَحدًا مَا دَامَ أنهُ يُمكِنُه أَنْ يَقومُ بِحَاجَةِ نَفسِه.
وَأَخبَثُ مِن ذَلكَ وَأَشَرُّ أَن يَكُونَ عِندَه مَا يَكفِيهِ وَلكنْ يَسأَلُ الناسَ وَيُلِحُّ عَلَيهِم؛ لِيكَثِّرَ مَالَه، فَقَدْ قَالَ النبيُّ ﷺ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ».
فَيَا أَخِي احْذَرْ مِنْ سُؤالِ النَّاسِ، لَا تُذِل نَفسَكَ، كُنْ عَزِيزًا، أَمَّا السُّؤالُ الَّذِي لَيسَ فِيهِ مَذَلةٌ فَلَا بَأسَ بِهِ.
• الفَائِدَةُ السَّابِعةُ وَالعِشرُونَ: أَنهُ يَنبَغِي لِلإنسَانِ أَن يُسبِغَ عَلَى حَسبِ مَا ذَكَرَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عُثمانُ ، وَهُوَ مَعلُومٌ لَدَينَا.
الفَائدَةُ الثَّامِنةُ وَالعِشرُونَ: تَكرَارُ غَسلِ الْأعضَاءِ ثَلَاثًا مَا عَدَا الرَّأسِ، فَإنَّ الرَّأسَ لَا يُكرَّرُ غَسلُهُ، وَهذَا مِنَ الفَرقِ بَينَ المَغسُولِ وَالمَمسُوحِ، فَالمَغسُولُ يُكَرَّرُ وَالمَمسُوحُ لَا يُكَرَّرُ.
والحِكمَةُ في ذَلِكَ أَنَّ المَمْسُوحَ قَد خُفِّفَتْ طَهَارَتُه كَيفِيةً فَتَبعَ ذَلكَ تَخفِيفُ طَهَارَتِه بِالكَمِّيةِ، فَلا عَددَ في مَمسُوحٍ.
وَالفَرقُ بَينَ الغَسلِ وَالمَسحِ ظَاهِرٌ، فَالمَسحُ أَن تَبلَّ يَدَكَ بِالماءِ وَتُمِرَّهَا عَلَى المَمسُوحِ، وَالْغَسلُ أَن تَصُبَّ المَاءَ عَلى العُضوِ وَتُطَهِّرهُ بِهِ.
إذَا قَالَ قَائلٌ: هَل هَذهِ قَاعِدةٌ مُضطَرِدَةٌ أَنَّ كلَّ مَمسُوحٍ لَا يُكررُ؟
فَالجَوابُ: نَعَمْ، وَبِناءً عَلى ذَلكَ فَالمَسحُ عَلَى الخُفَّينِ أَوِ الجَورَبَينِ مَرةٌ وَاحِدَةٌ، وَالمَسحُ عَلى الجَبِيرَةِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ وَالعِشرُونَ: أَنَّه يَنبَغِي لِلإنسَانِ أَن يُصَلي عَقِبَ الوُضُوءِ رَكعَتَين؛ «ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ»، وَلَا يُشتَرَطُ أَن تَكُونَ الرَّكعَتَانِ نَافِلَةً.
الْفَائِدَةُ الثَّلَاثُونَ: فَضِيلَةُ الصَّـلاةِ إِذَا لَـمْ يُحَدِّثِ الإِنسَانُ فِيهَا نَفسَهُ، لِقَـولِهِ: «لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ».
• الفَائِدَةُ الوَاحِدَةُ والثَّلَاثُونَ: حُدُوثُ هَذِهِ النَّتَائِجِ الطَّيبَة لِمَنْ أَسبَغَ الوُضُوءَ وَصَلَّى صَلَاةً لَا يُحَدِّثُ فِيهَا نَفسَهُ، وَهُوَ أنَّهُ يُغفَرُ لَهُ مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنبِه، هَذَا مَنطُوقُ الحَدِيثِ، فَإنْ صَلَّى رَكعَتَينِ يُحدِّثُ فِيهمَا نَفسَه فَإنهُ لَا يَحصُلُ لَهُ هَذا الأَجرُ.
الفَائدَةُ الثَّانيَةُ وَالثَّلاثُونَ: أَنَّ للصَّلاةِ التِي لَا يُحَدثُ فِيهَا الإنسَانُ نَفسَهُ مَزِيةً عَلَى غَيرِهَا، وَأَنَّها هِيَ الصَّلَاةُ التِي يَترتَّبُ عَليهَا الثَّوابُ الكَامِلُ، لِقَولِه: «لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ».
وَمَا تَقولُ فِيمَنْ صَلَّى صَلَاةً يُحدِّثُ فِيهمَا نَفسَهُ مُنذُ دَخَلَ في صَلَاتِهِ حَتَّى خَرجَ، أَتكُونُ الصَّلاةُ صَحِيحَةً أَو لَا؟
الجَوابُ: تَكونُ صَحِيحَةً عِندَ جُمهُورِ أَهلِ العِلمِ، وَبعضُ العُلَماءِ يَرَى أَنهُ إِذَا غَلبَ الوَسوَاسُ عَلى أَكثَرِ الصَّلَاةِ فَالصَّلاةُ بَاطِلةٌ، قَالَ: لِأنَّ لُبَّ الصَّلاةِ وَرُوحَ الصلَاةِ حُضُورُ القَلبِ.
وَعَلى هَذَا يُحمَلُ مَا يُروَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ الرَّجُلَ يَنطَلِقُ مِن صَلَاتِهِ لَا يُكْتَبُ لَهُ إِلَّا نِصْفُهَا وَرُبُعُهَا وُعُشْرُهَا وَهَكذَا، لِأنهُ ذَهبَ فَصَلَّى ببَدَنِه وَلم يُصَلِّ بِقَلبِهِ.
وَالأَحْكَامُ في الدُّنيَا تُعلَّقُ عَلى الظَّاهِرِ وَفي الآخِرَةِ تُعلَّقُ عَلَى البَاطِنِ، كَما قَالَ تعَالَى: ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق:٨-١٠]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩)وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ﴾ [العاديات:٩-١١].
فَإِنْ قِيلَ: بمَاذَا تُجِيبونَ عَن حَدِيثِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: «إِنِّي لَأُجَهِّزً جَيشِي وَأنا فِي الصَّلاةِ»، وَهَذَا مَعنَاهُ أنَّهُ يُحَدِّثُ النَّفسَ؟
فَالجَوابُ: أَنْ نَقُولَ إِنَّ تَجهِيزَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ لِجَيشِهِ في الصَّلاةِ أَمرٌ مَشْرُوعٌ، وَإذَا كَانتْ صَلَاةُ الخَوفِ تَتَغَيَّرُ مِنْ أَجلِ المُحَافَظَةِ عَلى القِتَالِ وَالجِهَادِ فَإنَّ تَجهيزَ الجُيوشِ مِنَ القَائِدِ وَتَفكِيرَه وَهُو يُصلِّي جَائزٌ وَلا بَأسَ بِهِ، وَكَثيرٌ مِنَ النَّاس يُفَكِّرُ مَاذَا يَلبَسُ مِنَ الثيَابِ، وَمَاذَا يَأكُلُ منَ الطَّعامِ، وَكَيفَ يَخرُجُ لِلنزْهَةِ، فَلَيسَ هَذَا كَمَنْ يُجهزُ الجَيشَ في الصَّلاةِ، لَا يَستَوِيانِ، وَأَكثَرُ وَسَاوسِ النَّاسِ وَحدِيثِ
بغير هذا اللفظ فيهم.
كتاب العمل في الصلاة، باب تفكر الرجل الشيء في الصلاة.
النَّاسِ في أَشيَاءَ لَا فَائدَةَ مِنهَا، وتَزُولُ بِالكُلِّيةِ مِنْ حِين يَنصَرِفُ مِن صَلاتِهِ.
الفَائدَةُ الثالِثَةُ والثَّلاثُونَ: بَيانُ فَضلِ اللَّهِ عَلى عِبادِهِ، وذَلكَ هذَا الأَجْرُ لمَنْ صَلَّى رَكعَتينِ لَا يُحدِّثُ فِيهمَا نَفسَهُ؛ لِقَولِه: «غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنبِهِ».
• الفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: عَدمُ وُجوبِ تَكرَارِ الغُسلِ؛ لِأنَّه ثَبتَ بِمجَردِ الفِعلِ وَمجرَّدُ الفِعلِ لَا يَدلُّ عَلَى الوُجوبِ، فَيَكفِي مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِقَولِه تعَالَى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة:٦]، لَكنَّ فِعلَ النبيِّ ﷺ يَقتَضِي الاستِحبَابَ؛ لأنَّ القَاعِدةَ الأُصُوليَّةَ أَنَّ فِعلَ النَّبيِّ ﷺ المجَرَّدَ لَا يَدلُّ عَلى الوُجُوبِ.
الفَائدَةُ الخَامِسةُ وَالثلَاثُونَ: جَـوازُ الصَّلاةِ الَّتِي لـها سبَبٌ في وَقتِ النَّهـي؛ لِعُمُومِ الحَدِيثِ: «مَنْ تَوضَّأَ» هَذَا عَامٌّ في كُلِّ وَقتٍ.
إذَا حَدَّثَ الإِنسَانُ نَفسَهُ في الصَّـلاةِ فَـلا شَكَّ أَنَّ الصَّـلاةَ نَاقِصَـةٌ، وَلكِـنَّها لَا تَبطُلُ.
قَالَ بَعضُ العُلمَاءِ: إِذَا كَانَتِ الوَسَاوسُ لِكلِّ الصَّلاةِ أَو لأَكثَرِها فَإنهَا تَبطُلُ لَا تَصِحُّ، ويَلزَمُهُ إعَادَتُها، وَالقَولُ الرَّاجِحُ أَنهَا لَا تَبطُلُ وَلكنَّهَا نَاقِصَةٌ، والدَّليلُ عَلى صِحَّتِها أنَّ النَّبي ﷺ أَخبَرَ أَنَّ الإِنسَانَ إِذَا دَخَلَ في الصَّلاةِ جَاءَهُ الشَّيطَانُ وَقالَ لَه: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُؤَثِّرُ عَلَى الصَّلَاةِ بِحَيثُ يُبْطِلُهَا، أَمَّا تَنقِيصُهَا فَيُنقِصُهَا.
وَذُكِرَ أنَّ أبَا حَنيفَةَ جَاءهُ شَخصٌ وَقالَ لَهُ: إِني نَسِيتُ شَيئًا وَهذَا الشَّيءُ هَامٌّ عِندِي جِدًّا، وَعَجَزتُ أَنْ أَذكُرَه فَقالَ لَه أَبُو حَنيفَةَ: اذهَبْ فَتَوضَّأْ ثُمَّ صَلِّ وَسَتذْكُـره، فَذَهبَ الرَّجلُ فَتَوضَّأَ ثُمَّ شَرعَ يُصَلِّي وَمِن حِينِ أَنْ صَلَّى ذَكَـرهُ، أَخذَ كتاب الصلاة،
أَبُو حَنيفَةَ هَذَا مِنْ قَولِ النَّبيِّ ﷺ يَأتِيكَ الشَّيطَانُ فَيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُر كَذَا، لِلشَّيءِ يَنسَاهُ حَتَّى يَذكُرَه، وَهَذا الأَمْرُ وَاقِعٌ.
وَلَكِنْ إِياكُمْ أَن تَجعَلُوا هَذَا عَادتَكم إذَا نَسيتُمُ الأشْيَاءَ، فَإذَا عَوَّدتُم أنفُسَكُم عَلى هَذِه العَادَةِ صَارَتْ عَادَةً سَيئَةً في الوَاقِعِ.
----------------------------
انظر فتح البارى لابن حجر (١ / ١٢٤).
كتاب الوضوء، باب: الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، رقم (١٥٩)، ومسلم: كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء وكماله، رقم (٢٢٦).
أورده شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (٣ / ١٥٣).
أورده شيخ الإسلام في «إقامة الدليل على إبطال التحليل» (٤ / ٣٥٥) عن أيوب السختياني، وأحمد بن حنبل، والدارقطني.
كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، رقم (٢١٢٥).
كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، رقم (٢٤٦).
مغني المحتاج (١ / ٣٩١).
كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم (٢٣٣).
كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الخطوة والخطوتين فِي الصلاة، رقم: (٥٤٤).
كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، رقم (١٧١٨).
كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب في باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين رقم (٥٦٠).
كتاب الأذان، باب فضل التأذين، برقم (٥٨٣).
كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن، رقم (٢٣٣).
أخرجه أحمد (٢ / ٤٨١، رقم ٩٤٠٨).
أخرجه أحمد (١ / ١١٨، رقم ٩٥٦).
كتاب الحج، باب قول النبي ﷺ: «العقيق وادٍ مبارك»، رقم (١٥٣٤).
كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس، رقم (١٠٤٣).
كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس، رقم (١٠٤١).
أخرجه أحمد (٤ / ٣٢١، رقم ١٩١٠٠)، وأبو داود: كتاب الصلاة، باب ما جاء في نقصان الصلاة رقم (٧٩٦)، والبيهقي في شعب الإيمان: كتاب الصلاة، باب تحسين الصلاة، والإكثار منها ليلًا ونهارًا وما حضرنا عن السلف الصالحين في ذلك رقم(٢٨٥٢).
باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه، رقم(٣٨٩)..
المصدر :شرح عمدة الاحكام - ابن باز / كتاب الطهارة / باب /حديث رقم:8