-->

شفقة النبي ﷺ على مغيث: دروس في الرحمة والحرية الشخصية

مغيث: دروس في الرحمة والحرية الشخصية

 زوج بريرة هو مغيث بن سلمة

زوج بريرة هو مغيث بن سلمة، وكان من رجال بني مخزوم. مغيث كان عبداً أيضًا، ولكن في مرحلة ما من حياته، تحرر هو أيضًا بعد أن كان في عبودية.

تروي بعض المصادر التاريخية أن بريرة كانت قد تزوجت مغيث قبل أن تُعتق، وبعد أن تحررت بفضل السيدة عائشة رضي الله عنها، بقي مغيث متأثرًا بحبها وكان يطلب منها العودة إليه. وبالرغم من أن بريرة كانت قد تحررت وصارت حرة، إلا أن مغيث كان يلح عليها للعودة إليه كزوجة، لكن بريرة كانت قد قررت أنها لا تريد العودة إلى الزواج منه، على الرغم من أنه كان يحاول إقناعها بذلك.

النبي صلى الله عليه وسلم قد شهد على الموقف بين بريرة ومغيث، وعندما رآى ما حدث، قال في حديث مشهور:

"لو كنت أمرتُ أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها".

ومع ذلك، كانت بريرة حرة في اختيار حياتها، وقررت ألا تعود إلى مغيث. هذه القصة كانت شاهدة على مدى الاستقلالية التي تمتع بها الإنسان بعد تحرره، وأظهرت موقف بريرة من حرية الإرادة في اختيار شريك الحياة.

تُظهر هذه القصة أن بريرة كانت حرة في اتخاذ قراراتها الشخصية بعد التحرر، وأنها تمسكت بمواقفها بناءً على إيمانها الشخصي وقيمها، دون أن تكون مُجبرة على العودة إلى علاقة لا ترغب فيها.

شفعة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها

موقف بريرة من شفعة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها مغيث كان مرتبطًا بحالة عاطفية إنسانية تظهر تفاعلها مع المواقف الاجتماعية والشخصية التي كانت تمر بها بعد تحررها. في هذا السياق، نود أن نوضح أولًا معنى الشفعة وكيف كانت تُطبق في الشريعة الإسلامية.

الشفعة في الإسلام:

الشفعة هي حق لأحد الشركاء في العقار (المال) أن يأخذ حصص الآخرين إذا قرروا بيع حصصهم فيه، ويكون ذلك بالثمن الذي اتفق عليه مع البائع. وفي سياق الحديث عن شفعة النبي صلى الله عليه وسلم، المقصود هو أن النبي صلى الله عليه وسلم تدخل في قضية بين بريرة وزوجها مغيث عندما كانت بريرة قد قررت أن لا تعود إليه كزوج.

موقف بريرة من شفعة النبي صلى الله عليه وسلم:

القصة الواردة حول الشفعة تتعلق بمغيث، زوج بريرة، الذي كان يحاول جاهدًا أن يعيد زوجته بريرة بعد أن تحررت. كان مغيث يحب بريرة حبًا شديدًا، ولكنه كان يعاني من الانفصال عنها بعد أن قررت عدم العودة إليه.

وروى الصحابي عبد الله بن عباس رضي الله عنه، أنه في إحدى المرات، رآى النبي صلى الله عليه وسلم مغيثًا يتبع بريرة وهو يطلب منها العودة إليه، وكان مغيث يبكي شوقًا لها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لبريرة:

"لِمَ لا ترجعين إليه؟"

ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم بما يشبه التدخل في الموقف العاطفي الذي كان بين بريرة ومغيث، وطلب منها أن تعود إليه، إلا أن بريرة أجابت بأنها لا تريد العودة إليه، وأنها لا تود أن تكون في علاقة معه بعد أن تحررت، مشيرة إلى أنها لا تقرر العودة لأنها تريد أن تعيش حياتها بحرية.

موقف بريرة:

رغم شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على مغيث وطلبه منها العودة، كان موقف بريرة مُحترمًا، حيث كانت قد اختارت أن تُحافظ على حريتها بعد التحرر من العبودية. وكان قرارها مستقلًا تمامًا، ورفضت العودة إلى مغيث. هذه القصة تُظهر أن بريرة كانت حرة في اتخاذ قراراتها الشخصية، حيث قررت أن تختار حياة مستقلة عن زواجها السابق، على الرغم من مشاعر مغيث، الذي كان مُصابًا بفقدانها.

وكان هذا الموقف بمثابة نموذج اجتماعي في كيفية التعامل مع الحالات التي تتعلق بالزواج والعلاقات في الإسلام. حيث إن الإسلام يحرص على تقديم الحرية الشخصية للفرد، ويمنح الناس الحق في اتخاذ قرارات حياتية من دون إجبار أو قسر.

دور النبي صلى الله عليه وسلم:

النبي صلى الله عليه وسلم كان في هذا الموقف يقترح على بريرة العودة إلى زوجها مغيث من منطلق الشفقة على حاله، لكنه لم يفرض عليها العودة. وهذا يُظهر مدى احترام النبي صلى الله عليه وسلم للحرية الشخصية، وحق المرأة في اختيار حياتها وزوجها. كما أن هذا الموقف كان دليلاً على رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وتقديره لمشاعر الآخرين، حتى وإن كانت القضية تتعلق بشخصين ليس لهما علاقة مباشرة في عمل النبوة.

خلاصة الموقف:

موقف بريرة من الشفعة في هذه القصة يعكس تمسكها بحريتها بعد أن تحررت، ورفضها العودة إلى العلاقة التي لم تعد ترغب فيها. كما يعكس الموقف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم بإنسانية ورحمة، حيث أظهر تفهمًا لمشاعر مغيث، وفي الوقت ذاته أتاح لبريرة الحق الكامل في اتخاذ قراراتها الشخصية في حياتها الجديدة كحرة.

دور بريرة في خدمة المجتمع الإسلامي

بريرة، مولاة السيدة عائشة رضي الله عنها، كانت من الشخصيات البارزة التي لعبت دورًا مهمًا في خدمة المجتمع الإسلامي بعد إسلامها وعتقها. ورغم أنها كانت مملوكة في بداية حياتها، إلا أنها أصبحت واحدة من النساء المسلمات الرائدات في عصر النبي صلى الله عليه وسلم. بعد أن نالت حريتها بفضل السيدة عائشة رضي الله عنها، بدأ دورها في المجتمع الإسلامي يتوسع، وظهرت مساهماتها في عدة مجالات.

1. مشاركة في نشر الدعوة الإسلامية:

إسلام بريرة كان بمثابة نقطة انطلاق نحو خدمتِها للإسلام. بعدما أسلمت، أصبحت بريرة ناشطة في نشر تعاليم الدين وتعريف الناس بالأخلاق الإسلامية. على الرغم من كونها مملوكة سابقًا، فإنها بمجرد تحررها تفرغت لخدمة دين الله. ولقد كانت بريرة تُقدّم قدوة حية للنساء في المجتمع المسلم حول أهمية الإيمان، وضرورة التمسك بالقيم الدينية، رغم كل التحديات التي قد تواجهها.

وقد كانت دائمًا حريصة على تقديم نصائح دينية للنساء في المدينة المنورة، وتشجيعهن على الاقتداء بتعاليم النبي صلى الله عليه وسلم.

2. مساهمتها في العمل الخيري:

واحدة من أبرز جوانب دور بريرة في المجتمع الإسلامي كانت في مجال العمل الخيري. كان الإسلام يشجع على العطاء والصدقة، وكانت بريرة تشارك في العديد من الأعمال الخيرية التي كانت تُنظم في المدينة. فهي لم تكن فقط تعتبر نفسها جزءًا من المجتمع المسلم، بل كانت تسعى جادة لخدمة الآخرين من خلال دعم الفقراء والمساكين.

وكانت بريرة تعمل على تقديم المساعدة في توزيع الصدقات، حيث كانت تساهم في تلبية احتياجات الفقراء والمحتاجين. بهذا الشكل، أظهرت كيف يمكن أن تساهم المرأة المسلمة في عمل الخير وتُظهر إخلاصًا في خدمة المجتمع، وهو ما يجعلها رمزًا يحتذى به.

3. التعليم والتوجيه الديني للنساء:

بعد إسلامها وعتقها، أصبحت بريرة أيضًا مصدرًا للتوجيه الديني. كانت دائمًا قريبة من السيدة عائشة رضي الله عنها، التي كانت تعتبر مصدرًا رئيسيًا للعلم والمعرفة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم. وبفضل هذا القرب، تلقت بريرة علمًا دينيًا عميقًا في تفسير القرآن الكريم، والحديث الشريف، والفقه الإسلامي.

كما كانت بريرة تُسهم في تعليم النساء في المجتمع المسلم، حيث كانت توجههن إلى أهمية الحفاظ على العبادات والقيام بالأعمال الصالحة. كانت أيضًا تُساعد النساء على فهم الشريعة وتعليمهن الأحكام الدينية التي تخص حياتهن اليومية، مثل الطهارة، الصلاة، والزكاة.

4. مواقفها في الدفاع عن الإسلام:

كانت بريرة تُظهر في كثير من الأحيان موقفًا قويًا في الدفاع عن الإسلام والتصدي للمكائد التي كانت تُحاك ضد المسلمين. على الرغم من أنها كانت امرأة مملوكة في السابق، إلا أن إسلامها وجعلها من الأحرار منحتها الفرصة للمشاركة في نشر الدعوة والدفاع عن المبادئ الإسلامية.

إحدى أبرز المواقف التي يمكن الإشارة إليها هي موقفها في حادثة الإفك التي اتهمت فيها السيدة عائشة رضي الله عنها، حيث كانت بريرة جزءًا من عملية الدفاع عن عائشة بكل شجاعة. لقد شاركت في توضيح براءتها وأدلت بشهادتها في سبيل رفع الظلم عن السيدة عائشة، مما يظهر مدى التزامها وحبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولصحابته الكرام.

5. قدوتها للنساء في المجتمع:

بريرة لم تكن فقط تخدم المجتمع بشكل عملي، بل كانت نموذجًا للمرأة المسلمة التي تتحلى بالصبر والإيمان. تجسدت في شخصيتها القيم الإسلامية الأساسية مثل الصدق، الأمانة، الإخلاص، والتفاني في خدمة الله ورسوله.

كانت بريرة تُعد من الأمثلة الحية على القوة الداخلية للمرأة المسلمة التي لا تُقيدها الظروف، بل تتحلى بالإيمان والعزيمة لمواصلة السير على طريق الحق. وبذلك، كانت تمثل نموذجًا يحتذى به لكل امرأة مسلمة في المجتمع.

6. مشاركتها في الأنشطة الاجتماعية:

بجانب مساهماتها الدينية والخيرية، شاركت بريرة أيضًا في الأنشطة الاجتماعية في المجتمع المدني. فقد كانت تشارك في اللقاءات العامة، وكانت تساهم في بناء العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع المسلم. وبذلك، أصبحت جزءًا من شبكة التواصل بين الصحابة والصحابيات في المدينة.

كانت علاقتها بالسيدة عائشة رضي الله عنها محورًا من محاور الخدمة المجتمعية، حيث كانتا تعملان معًا من أجل تحسين أوضاع الناس والمساهمة في تحقيق العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع.

7. إسهامها في تحرير العبيد:

بريرة، بعد تحررها، أصبحت تُعدّ جزءًا من عملية تحرير العبيد التي كان الإسلام يدعو إليها. كانت تمثل مثالًا حيًا على كيفية تحقيق الحرية من خلال العتق والصدقة، وكان لتجربتها في تحرير نفسها تأثيرًا كبيرًا على المماليك الآخرين في المجتمع.

كانت دائمًا تُشجّع على تحرير العبيد، وتشجيع المسلمين على الإسهام في هذه الأعمال التي تساعد في تحرير الإنسان من قيود العبودية وتفتح له أبواب المساواة والحرية.

دور بريرة في خدمة المجتمع الإسلامي كان متعدد الأبعاد، حيث تميزت بمساهمتها في نشر الدعوة الإسلامية، العمل الخيري، تعليم النساء، الدفاع عن الإسلام، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية. ورغم بداياتها الصعبة في العبودية، استطاعت بريرة أن تتحول إلى شخصية مسلمة فاعلة في المجتمع، تُحتذى في الإيمان، الصبر، والعطاء. كانت بحق مثالًا حيًا للمرأة المسلمة التي تسهم في بناء المجتمع وتطويره وفقًا للقيم الإسلامية السامية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم