الحديث الشريف: "إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء" وكيفية تطبيقه في حياتنا

أثر القرآن
0

"إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء" وكيفية تطبيقه في حياتنا

■ الحديث: عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي  - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، وَحَضَرَ الْعَشَاءُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ». وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ.

■ حكم الحديث: متفق عليه

■ شرح الحديث: 〈الشيخ ابن عثيمين〉

________________________________________

«إذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ» أي صَلَاة يقصد؟ الْفَجْر، أو الظُّهر، أو العَصْر، أو المَغْرِب، أو الْعِشَاء، يُنظَر أيهنَّ أقرب إِلَى العَشَاء؛ ولِهَذا جاء في حديثٍ آخر: «إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ».

«أُقِيمَت الصَّلَاة»: (أل) هنا للعهد الذِّهني المعروف عندهم، وهي الصَّلَاة الَّتي تعقب العَشاء، «وَحَضَر العَشَاءُ» بين أيديكم جاهِزًا للأكل، ولَيسَ عَلَى القِدْر «فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ» قبل الصَّلَاة؛ لأنَّهُ إِذَا حضرَ العَشاء تعلقتِ النَّفسُ به، لَا سِيَّما مع الحَاجَةِ إِلَيْه، فإِذَا تعلقَّتِ النَّفْسُ به، ثم ذهب الإِنْسَانُ يُصلِّي صار فكرُه مشغولًا بالعَشاء، لِهَذا أمرَ النَّبِيُّ  أن يبدأ الإِنْسَان بالعَشاء ثم يُصلِّي.

هل مثل العَشاء الـمَاء، يعني لو حضرَ الـمَاء وهو عطشان وحضرت الصَّلَاةُ، فهل يُصلِّي أو يشربُ؟ يشربُ، ثم يُصلِّي، وهَكَذا كل ما تتعلق به النفسُ، وينشغلُ به الذِّهنُ، إِذَا حضرتِ الصَّلَاةُ وحضرَ هذا المُشغِلُ فإِنَّه يبدأ به، ولكن هل يقدِّمُ ذَلِك عَلَى الوَقْت، يعني هل يشتغلُ بالعَشاء ولو خرج الوَقْتُ، هل يشتغل بالشَّرابِ

ولو خرجَ الوَقْتُ؟ هذا محلُّ خلافٍ بين العُلَمَاءِ، بَعْضُ العُلَمَاء يقول: يؤخِرُّ الصَّلَاةَ إِذَا انشغلَ قلبُه بما حضرَ من طعامٍ وشرابٍ أو غيره ولو خرجَ الوَقْتُ.

وإِذَا نظرنا إِلَى صنيعِ المؤلِّفِ تبينَ لنا أن ظَاهِرَ صنيعِه أنه يُقَدَّمُ عَلَى الوَقْتِ، ولو خرجَ الوَقْتُ، لأنَّهُ ذكرَ حديثَ هذا في بابِ المَواقِيتِ، ولكنَّ أكثرَ أهل الْعِلْم يَقولُون: إنه لا يُعْذَرُ بحُضُورِ العَشاء في تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عن وقتِها، وإِنَّما يُعْذَرُ بحُضُور العَشاء بالنِّسبة للجَماعَة، يعني أنَّ الإِنْسَانَ يُعْذَرُ بتركِ الجَمَاعَةِ إِذَا حضر العَشاء وتعلقتْ نفسُه به فليأكلْ، ثم يذهب إِلَى المَسْجِد إن أدركَ الجَمَاعَةَ فذاكَ وإلا فلا حرجَ علَيْه، إذن يُعْذَرُ الإِنْسَانُ بتركِ الجَمَاعَةِ بحُضُور العَشاء، ولكن يجبُ ألا يتخذَ ذَلِك عَادَةً، بحيثُ لا يقدمُ عشاءَه إلا وقت الصَّلَاة؛ لأن هذا يعني أنه مُصَمِّمٌ عَلَى تركِ الجَمَاعَة، لكن إِذَا حصلَ هذا عَلَى وجه المصادفةِ فإِنَّه يُعْذَرُ بتركِ الجَمَاعَة ويأكلُ، ولكن هل نَقُول له: كُلْ لقمةً أو لقمتَيْن ثم اذهبْ إِلَى المَسْجِدِ، أو نَقُول: كُلْ حَتَّى تشبعَ؟ والجَوَاب: الثَّانِي، كُلْ حَتَّى تشبعَ؛ لأنَّهُ لو أكلَ لقمةً أو لقمتَيْن رُبَّما يزدادُ تعلُّقًا به، فلذَلِك نَقُول: كُل حَتَّى تقضيَ نَهْمَتَكَ، بخلاف الرَّجلِ المضطرِ إِلَى الطعام إِذَا وجدَ طعامًا حرامًا مثل المَيْتَةِ، فهل نَقُول إِذَا لم تجد إلا الميتة وخفت عَلَى نفسك الهلاك والضَّرَر فكُل من الميتةِ حَتَّى تشبعَ أو نَقُول كُل بقدر الضَّرُورَة؟ والجَوَاب: الثَّانِي، يعني كُل بقدر الضَّرُورَةِ، فإِذَا كَانَ يكفيك لقمتانِ فلا تأكل الثَّالِثةَ، وإِذَا كَانَ يكفيك ثلاثٌ فلا تأكل الرَّابِعةَ، وهَكَذا.

وهل يلحقُ بالعَشاء والشَّراب وغيرِهما مما تتعلقُ به النفسُ؟ هل يلحقُ ما يشوِّشُ عَلَى الإِنْسَان مثل البَوْلِ والغَائِطِ والرِّيحِ، ونقول إن الإِنْسَان إِذَا احتاجَ إِلَى البَوْل أو الغَائِط فإِنَّه لا يُصلِّي حَتَّى يقضيَ حاجته؟ الجَوَاب: نعم يلحقُ به، بل في صحيح مسلم، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ».

يعني البَوْلَ والغَائِطَ.

ومثل ذَلِك الرِّيحُ، فإن بَعْض النَّاس يَكُون عنده غازاتٌ شَدِيدَةٌ تزعجُه، فنقول: خَفِّفْ هَذِهِ الرِّيحَ وهَذِهِ الغازاتِ ثم أقبلْ عَلَى الصَّلَاة، وهل مثل ذَلِك إِذَا كَانَ هُناكَ حرٌّ مزعجٌ؟

نَقُول يذهبُ ويتروَّى ثم يصَلِّي، مِنْ أجْلِ أن يُقْبلَ عَلَى صَلَاته وهو فارغُ البالِ.

ومثل ذَلِك أيضًا شدةُ البردِ؛ لأنَّ القَاعِدَةَ العريضةَ عندنا أن كلَّ ما أشغلَ الإِنْسَانَ عن حُضُور قلبه في الصَّلَاة وتعلقتْ به نفسُه إن كَانَ مطروبًا أو قلقت منه إن كَانَ مَكْرُوهًا، فإِنَّه يتخلصُ منه قبل أن يدخلَ في الصَّلَاة.

ففي هَذَا الحَدِيث دَلِيلٌ علَى أنَّ صَلَاةَ الجَمَاعَة تسقطُ عَنِ الإِنْسَان إذَا حضَر العَشاء وكان يريد أكْلَهُ، وَهَذَا عامٌّ سواء كَانَتْ صَلَاةَ جَماعَةٍ، أو صَلَاةَ مُنْفَرِدٍ.

مِن فَوائِد هَذا الحدِيثِ:

• الفَائِدَةُ الأُولَى: المُحافَظَةُ عَلَى ما يتعَلَّقُ بذَاتِ العِبادَة أفْضَلُ وأوْلَى بالمُرَاعَاة مِمَّا يتعلق بزمنِها.

وجه ذَلِك: أنَّ الْأَفْضَل في الصَّلَاة تقديمها في أَوَّل الوَقْت، لكن إِذَا قدمها في أوَّل وَقْتِ وكان العَشاء حَاضِرًا؛ اشتغل قلبه وفات الخُشُوع، والخُشُوع في ذات العِبادَة، فمحافظته عَلَى ما يتعلق بذات العِبادَة أولى بالمُحافَظَة مما يتعلق بزمانها.

وكذَلِك قال العُلَمَاء: المُحافَظَة عَلَى ما يتعلق بذات العِبادَة أوْلَى مِن المُحافظة عَلَى ما يتعَلَّق بمكانها.

مِثَال ذَلِك: رجل يطوف فإن اقترب من الكَعْبَة عجز عَنِ الرَّمَل، وإنْ كَانَ في حاشية النَّاس تمكَّن من الرَّمَل فأيهما أوْلَى، الدُّنو مِن الكَعْبَة مع فوَات الرَّمَل، أو البُعْد عنها مع الرَّمَل؟ لا شَكَّ أنَّ البُعد أولى من باب المُحافَظَة عَلَى ذات العِبادَة أكثر مِن المُحافَظَة عَلَى مكان العِبادَة.

• الفَائِدَةُ الثَّانِيةُ: الإِشَارَة إِلَى أَهَمِّيَّة الخُشُوع في الصَّلَاة، أن لُبَّ الصَّلَاة ورُوحَ الصَّلَاةِ هو حُضُورُ الْقَلْبِ، هذا هو لُبُّ الصَّلَاة وحُضُورُها وروحُها، حَتَّى إن الإِنْسَان أُذِنَ له أنْ يَدَع الصَّلَاة مع الجَمَاعَة مِن أجْل أنْ يَأكُل ويشرب، ولو فَرضنا أنه عَطِش وحضَر الـمَاء فليقدِّم الـمَاء، لكن انحباس الـمَاء بالـمَاء أقل مِن انحباسه بالطَّعام.

• الفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: ذِكْر فرْدٍ مِن آلاف الأفراد مِمَّا يدُلّ عَلَى أنَّ هَذِهِ الشَّريعَة مَبْنِيَّة عَلَى اليُسْر ومُراعاة الحقوق، حق الله ، وحق النَّفس.

وجه ذَلِك: أنَّ الإِنْسَان أُذِنَ له أن يدَع ما يجب علَيْه مِن صَلَاة الجَمَاعَة مِن أجْل إعطاء النَّفْس حظَّها مِن الشِّبع.

ولِـهَذا أمر النَّبِيُّ  بإزالةِ كل ما يحولُ دون ذَلِك قبل أن يدخلَ الإِنْسَان في صَلَاته، وإِذَا نظرنا إِلَى واقعنا الْيَوْم وجدنا أنَّ الوسَاوسَ والهواجسَ لا تأتي إلا إِذَا دخلَ الإِنْسَانُ في صَلَاته، يَكُون الإِنْسَان فارغَ البال من قبل أن يدخلَ في الصَّلَاة، فإِذَا دخلَ انفتح عنده آلاف الأفكار والوسَاوسِ التي لَيسَ فيها فَائِدَةٌ، بل فيها مضرةٌ عَلَى الإِنْسَان لأنَّهَا تُنْقِصُ صَلَاته بلا شَكٍّ، ومن ذَلِك العَبَثُ في الصَّلَاة؛ لأنَّهُ يشغلُ الْقَلْبَ، وما أكثرَ الَّذِين يعبثونَ في صَلَاتِهم، نجد بَعْض النَّاس إِذَا دخلَ في الصَّلَاة ذهبَ ينظرُ إِلَى السَّاعة، كم بَقِيَ في الوَقْتِ، وأَحْيانًا ينظرُ إِلَى الْقَلْب هل ظهرَمن الجيب أو هو نازلٌ، أَحْيانًا يتذكر الشَّيء وهو في صَلَاته فيخرِجُ القلمَ ويخرِجُ الورقةَ من جيبه، وإِذَا لم يكن معه ورقةٌ كتب في راحتِه، وهو يُصلِّي، خَوْفًا من النِّسيان؛ لأنَّ الإِنْسَان إِذَا دخلَ في الصَّلَاة جاء الشَّيْطَان يذكِّرُه يقول: اذكرْ كذا، اذكرْ كذا، حَتَّى يذكِّرَه ما لم يكن يذكرُه من قبلُ، وإِذَا فرغَ من الصَّلَاة ذهب هذا الَّذي يذكرُه ونَسِيَ.

يُذْكَرُ أن رجلًا جاء إِلَى أحد العُلَمَاء وقال إنه أُودِعَ وديعةً -دراهم مثلًا- وأنه نَسِيَ مكانَها، وأن صاحبَ الوديعةِ جاء يطلبُها، فجاء هذا الرَّجلُ يَسْأَلُ عالِمًا ماذا يصنعُ؟ فقال: اذهبْ فصلِّ وستذكرُها.

• الفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: يَجُوز للإِنْسَان إِذَا اشتغل بالطَّعام أنْ يشبع، ولا نَقُول كُلْ ما يَسُد نَهمَتك ثُم اذهب إِلَى الصَّلَاة، وَهَذَا بخلاف أكل المُضْطَر للمَيْتة ونحوها، فإِنَّه لا يَجُوز له أنْ يشبع وإِنَّما يأكل ما يسدُّ رَمَقَه فقط.

وتُقاس كل الصَّلوَات عَلَى هَذَا الحَدِيث، فإِذَا حضرت صَلَاةٌ سِوَى العِشَاء وكان مُحْتاجًا للطَّعام وقُـدِّمَ بَيْن يَدَيْه فيأكل ثم يُصلِّي؛ إذْ لا فَـرْق بَيْن العِـشَاء وغيرها.

وفي هَذَا الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى رأفة النَّبِيِّ ﷺ بأمته؛ لِقَوْلِه: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي«.وفيه أيضًا قَاعِدَةٌ مفيدةٌ جدًّا، وهي أنَّ (المَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ)، كُلَّما وُجِدَ الحَرَجُ ارتفعَ الحَرَجُ، وهَذِهِ القَاعِدَة تُفيدكَ في مسَائلَ كَثِيرَةٍ في باب العِبَادات، فمثلًا لو أنَّ الإِنْسَانَ احتاج إِلَى أن يجمعَ بين الظُّهرِ والعَصْرِ لمرضٍ أو سفرٍ أو غير ذَلِك، قُلْنا له: اجمعْ لا بَأْسَ، لأن عدمَ الجمعِ هنا يُلْحِقُ بكَ مَشَقَّةً، ولِهَذا لـما حدث ابن عَبَّاس بأنَّ النَّبِيّ ﷺ جمعَ في المدينة بين الظُّهر والعَصْرِ وبين المَغْرِبِ والْعِشَاءِ من غيرخَوْفٍ ولا مطرٍ، قَالُوا: ماذا أَرَادَ، قال: أَرَاد ألا يُحْرِجَ أمتَه، أي ألا يلحقَها الحَرَج إِذَا لم تجمعْ بين الصَلَاتَيْن.وتسميةُ الْعِشَاء بالعَتَمَةِ مأخوذةٌ من إعتامِ الأَعْرَاب بإبلها؛ لأنَّ الأَعْرَابَ يُعْتِمُونَ بالإبل، أي بحليبِها إِلَى أن يمضيَ هزيعٌ من اللَّيلِ.نخلصُ من هذا بقَاعِدَةٍ، وهي أن لُبَّ الصَّلَاةِ وروحَ الصَّلَاةِ هو حُضُورُ الْقَلْب، هذا هو لب الصَّلَاة وحُضُورُها وروُحها، ولِهَذا أمرَ النَّبِيُّ  بإزالة كل ما يَحُول دون ذَلِك قبل أن يدخلَ الإِنْسَان في صَلَاته.وإِذَا نظرنا إِلَى واقعنا الْيَوْم وجدنا أنَّ الوسَاوسَ والهواجسَ لا تأتي إلا إِذَا دخلَ الإِنْسَانُ في صَلَاته، يَكُون الإِنْسَان فارغَ البال من قبل أن يدخلَ في الصَّلَاة، فإِذَا دخلَ انفتح عنده آلاف الأفكار والوسَاوسِ التي لَيسَ فيها فَائِدَةٌ، بل فيها مضرةٌ عَلَى الإِنْسَان لأنَّهَا تُنْقِصُ صَلَاته بلا شَكٍّ، ومن ذَلِك العَبَثُ في الصَّلَاة؛ لأنَّهُ يشغلُ الْقَلْبَ، وما أكثرَ الَّذِين يعبثونَ في صَلَاتِهم، نجد بَعْض النَّاس إِذَا دخلَ في الصَّلَاة ذهبَ ينظرُ إِلَى السَّاعة، كم بَقِيَ في الوَقْتِ، وأَحْيانًا ينظرُ إِلَى الْقَلْب هل ظهرَ من الجيب أو هو نازلٌ، أَحْيانًا يتذكر الشَّيء وهو في صَلَاته فيخرِجُ القلمَ ويخرِجُ الورقةَ من جيبه، وإِذَا لم يكن معه ورقةٌ كتب في راحتِه، وهو يُصلِّي، خَوْفًا من النِّسيان؛ لأنَّ الإِنْسَان إِذَا دخلَ في الصَّلَاة جاء الشَّيْطَان يذكِّرُه يقول: اذكرْ كذا، اذكرْ كذا، حَتَّى يذكِّرَه ما لم يكن يذكرُه من قبلُ، وإِذَا فرغَ من الصَّلَاة ذهب هذا الَّذي يذكرُه ونَسِيَ.يُذْكَرُ أن رجلًا جاء إِلَى أحد العُلَمَاء وقال إنه أُودِعَ وديعةً -دراهم مثلًا- وأنه نَسِيَ مكانَها، وأن صاحبَ الوديعةِ جاء يطلبُها، فجاء هذا الرَّجلُ يَسْأَلُ عالِمًا ماذا يصنعُ؟ فقال: اذهبْ فصلِّ وستذكرُها، فذهب الرجل فجعل يُصلِّي فذكرَ مكانَها.واستدلَّ العالمُ عَلَى هَذِهِ الحِيلةِ بقول النَّبِيِّ : «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ وهُوَ فِي صَلَاتِهِ فيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا».

اذكرْ كذا، اذكرْ كذا، اذكرْ كذا، وَهَذَا هو الوَاقِعُ.

ومما يُشغلُ عَنِ الصَّلَاةِ ما يفعلُه بَعْضُ النَّاس الَّذِين يصلُّونَ خلفَ الْإِمَام، فتجدُه يأخذُ المصحفَ ويتابعُ الْإِمَامَ في قراءتِه، والحقيقةُ أنَّ هذا الْعَمَلَ تترتبُ علَيْه أمورٌ محظورةٌ:

أولًا: أنَّ الإِنْسَانَ يتحركُ بحركاتٍ لا حاجةَ إِلَيْها، وهي إخراجُ المصحف، فتحُ المصحف، إغلاقُ المصحف.

ورُبَّما يَكُون المصحف دقيقًا ويحتاج في النظرِ إِلَيْه إِلَى نظاراتٍ، ورُبَّما يخرج النظاراتِ وهو يُصلِّي أيضًا! هَذِهِ أَعْمَال كَثِيرَة.

ثانيًا: أن هذا الْفِعْلَ يُشغله عن سُنَّةٍ مَطْلُوبةٍ منه، وهي وضعُ الْيَدِ اليُمْنَى عَلَى اليسرى عَلَى صدرهِ؛ فإن هذا من الأُمُورِ المَشْرُوعَةِ، وهو ينشغلُ بإمسَاكِ المصحفِ عن ذَلِك.

ثالثًا: أنَّ الإِنْسَـان يُشغِـلُ بصرَه بانتقالٍ من أَعْلَى الصَّفحةِ إِلَى أَسْفلـها، وبالانتقالِ من أَوَّل السطرِ إِلَى آخره، والبصرُ له حركاتٌ كما أنَّ الْيَدَ لـها حركاتٌ، لا شكَّ في هذا، فإذن، ينشغلُ بحركاتِ عينهِ التي يتابعُ بها الكَلِمَاتِ والحروفَ في المصحف.

رابعًا: أن هذا المتابِعَ يشعرُ وكأنَّهُ منفصِلٌ عَنِ الصَّلَاة، كأنَّهُ يمسكُ عَلَى هذا القارئِ مِنْ أجْلِ أن ينظرَ: هل يخطئُ أم يصيبُ، فيشطحُ قلبه عَنِ الصَّلَاة ويبعدُ، كما هو مشاهَد.

لكنْ، لو فُرِضَ أنَّنا في ضرورةٍ إِلَى هذا، بأنْ كَانَ الْإِمَامُ سَيِّئَ الحفظِ، صفة الصَّلاة،

وقال لبَعْض المَأْمُومينَ: كُنْ ورائي، وأمسكِ المصحفَ إن أخطأتُ تَرُدُّ عليَّ، فَهَذَا جائزٌ مِنْ أجْلِ الحَاجَةِ.

مسألة: كيف العلاجُ من الوسَاوسِ في الصَّلَاة؟

الجَوَاب: علاجُها بيَّنهُ النَّبِيُّ  وهو أن يَتْفُلَ الإِنْسَانُ عن يسَارِه ثلاثَ مرَّاتٍ، ويستعيذَ بالله من الشَّيْطَانِ الرجيمِ.

ولو قال قَائِلٌ: هل يَتْفُلُ عن يسَارِه وهو يُصلِّي، يَلْتَفِتُ؟

نَقُول: نعم، يَلْتَفِتُ؛ لأنَّ هذا الالتفاتَ لحَاجَةٍ، والالتفاتُ لحَاجَةٍ لا بَأْسَ به.

ولو سأل سَائلٌ: كيف أَتْفُلُ والنَّاسُ عن يسَاري إِذَا كنتُ مَأْمُومًا مع الجَمَاعَة؟

نَقُول: إِذَا كنتَ مَأْمُـومًا فـلا تَتْفُلْ؛ لأنكَ ستؤذِي مَن عن يسَاركَ، ولكـنِ استعِذْ بالله من الشَّيْطَانِ الرجيمِ.

----------------------------

كتاب الأطعمة، باب إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه، رقم (٥١٤٨).

كتاب الجماعة والإمامة، باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصَّلاة، رقم (٦٤٢).

كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب كراهة الصَّلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال، رقم (٥٥٧).

كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب كراهة الصَّلاة بحضرة الطعام، رقم (٥٦٠).

عدد التسبيح بعد التسليم، رقم (١٣٤٨)..

المصدر :شرح عمدة الاحكام - ابن باز / كتاب الصلاة / باب المواقيت /حديث رقم:57

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)