الحديث: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلا صَلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ».
[قال المصنف - رحمه الله تعالى
وفي البابِ عنْ عليِّ بنِ أَبي طالبٍ، وعبدِاللَّه بنِ مسعودٍ، وعبدِ اللهِ بنِ عمرَ ، وعبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ، وأَبي هريرةَ، وسَمُرَةَ بنِ جُندُبٍ، وسَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ، وزيدِ بنِ ثابتٍ، ومعاذِ بنِ عفراء، وكعبِ بنِ مُرَّةَ، وأَبي أُمامةَ الباهليِّ، وعمرِو بنِ عبسةَ السُّلَميِّ، وعائشةَ - رضي الله عنهم -، والصَّنابحيِّ، ولم يسمعْ منَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم
-.■ حكم الحديث: متفق عليه■ شرح الحديث: 〈الشيخ ابن عثيمين〉
________________________________________
وفي البابِ عنْ عليِّ بنِ أَبي طالبٍ، وعبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ، وعبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ بنِ الخطابِ، وعبدِ اللَّهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ، وأَبي هريرةَ، وسَمُرَةَ بنِ جُندُبِ، وسَلَمَةَ بنِالأَكوَعِ، وزيدِ بنِ ثابتٍ ومُعاذِ بنِ جبلٍ، ومُعاذِ بنِ عَفْرَاء، وكعبِ بنِ مُرَّةَ، وأَبي أُمَامةَ الباهِليِّ، وعمرِو بنِ عَبْسَةَ السُلَميِّ، وعَائِشَةَ ، والصَّنابحيِّ، ولم يسمعْ منَ النَّبيِّ .هذا اللَّفْظ نستفيدُ منه فَائِدَةً غير زائدةٍ عَلَى ما سبق، فالَّذِي سبق يُفيدُ النَّهيَ بارْتِفَاع الشَّمْس قِيدَ رُمْحٍ، والرُّمْح تقريبًا يسَاوِي مِتْرًا أو يزيد قليلًا؛ لأنَّ المُرادَ بالرُّمح ما يستعمله المُقاتِلُون في القِتَال، ولَيسَ المُرادُ به عَسِيبَ النَّخل؛ لأنَّ عَسِيب النَّخل طويلٌ.إذن، فتقدير مسَافة الرُّمح بنحو عشر دقائق إِلَى ربع سَاعَة عَلَى الاحْتِيَاط؛ فإِذَا مضَى بعد طُلُوع الشَّمْس ربعُ سَاعَة فقد زال وقتُ النَّهي.ونقول في قَوْلِه: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْح» ما قُلْناه قبلُ.وذكر المُؤَلِّف عدَّة صحابة روَوا هَذَا الحَدِيث.بقِيَ وقتٌ ثالث، وهو عند زَوَالها حَتَّى تزولَ عند قيامها، أي: وقفَتْ في عَيْن الرَّائي حَتَّى تزولَ، وذَلِك قبل الزَّوَال بنحو عشر دقائق، أو أقَلَّ؛ فَهَذَا أيضًا وقت نَهْيٍ لا يَجُوز فيه أنْ يتطوعَ الإِنْسَان بالصَّلَاة، إلَّا مَا كَانَ له سببٌ عَلَى الْقَوْل الرَّاجح.قولُه: «لا صَلَاةَ» هذا نفيٌ، لكنه بمَعْنَى النَّهي، يعني: لا تصلُّوا بعد الصُّبْحِ، وهل المُرَادُ بِقَوْلِه: «بعد الصُّبْح»، بعد طُلُوعِ الصُّبْحِ، أم بعد صَلَاةِ الصُّبْح؟ نَقُول: هذا مُجمَلٌ، فيَحْتَمِل أن يَكُون المَعْنَى: بعد صَلَاةِ الصُّبْحِ، وأن يَكُون المَعْنَى: بعد طُلُوعِ الصُّبْحِ، وبينهما فرقٌ بَيِّنٌ: إِذَا كَانَ المَعْنَى بعد طُلُوعِ الصُّبْحِ صارَ النَّهْيُيدخلُ من حين طُلُوعِ الْفَجْرِ، وإِذَا كَانَ المُرَادُ بالصُّبْحِ صَلَاةَ الصُّبْحِ، صار النَّهْيُ لا يدخلُ إلا بعد صَلَاة الصُّبْحِ، والاحْتِمَال الثَّانِي هو الصَّحِيح، أي أنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاة بعد صَلَاة الصُّبْحِ؛ لأنَّهُ ورد ذَلِك مُفَسَّرًا في بَعْض رواياتِ الحَدِيث، أنَّ النَّهْيَ يبتدئُ من صَلَاةِ الصُّبْحِ ويَنْتَهي بما سيُذكَرُ.وقَوْله: «ولا بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ» هذا متفَقٌ عَلَى أنَّ المُرَادَ بعد العَصْرِ، أي: بعد صَلَاة العَصْرِ لا بعد دخُول العَصْرِ.فَهَذَا وقتانِ في هَذَا الحَدِيث مَنْهِيٌّ عَنِ الصَّلَاة فيهما.وقَوْله: «لَا صَلَاةَ» نكرةٌ في سياق النَّفْيِ، فَتَعُمُّ كُلَّ صَلَاةٍ، يعني: لا تُصلوا أيَّ صَلَاةٍ بعد صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طُلُوعِ الشَّمْسِ، ولا بعد صَلَاة العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، فهل هذا العُمُومُ مُرَادٌ أم لَيسَ بمُرَادٍ؟ الجَوَاب: هذا العُمُومُ لَيسَ بمُرَادٍ، بل يخرج منه بَعْضُ أفراده.وهُنَا نأخذُ قَاعِدَةً، وهي أنَّ اللَّفْظَ العامَّ في أصل وضْعه يتناولُ جميعَ الأفرادِ، هذا الأَصْل، ودَلِيلُ ذَلِك: قولُ النَّبِيِّ ﷺ حين علَّمَ أَصْحَابَه التشهُّدَ، ومن: السَّلامُ علَيْنا وعلى عبادِ الله الصَّالحين، قال: «إذَا قُلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ».فقولُه: عِباد اللَّهِ الصَّالحينَ، عامٌّ، وَهَذَا نَصٌّ في أنَّ العامَ يَشْمَلُ جميعَ الأفراد.إذن: «لَا صَلَاةَ» يَشْمَلُ جميعَ الصَّلوَاتِ، ولكنه قد خُصَّ منه بَعْض الصَّلوَاتِ بالنَّصِّ، وبَعْضها بالإجماعِ.فلننظرْ: أولًا: إِعادَةُ الجَمَاعَةِ خارجةٌ من هَذَا الحَدِيث، يعني: لو أنَّ الإِنْسَانَ صلَّى الصُّبْحَ في مَسْجِدِه، ثم جاء إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ ووجدَهم يصلونَ الصُّبْحَ؛ فإِنَّه يُصلِّي معهم ولا إثْمَ علَيْه، ولا نَهْيَ.والدَّلِيلُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ صلَّى الْفَجْرَ ذات يوممِنًى، فلما انصرفَ رأى رجليْنِ لم يُصَلِّيَا معه، فسألهما: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا»، فقَالُوا: يا رَسُول الله، صلَّيْنَا في رِحَالِنَا، فقال: «إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُما ثُم أتَيْتُما مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَة».وَهَذَا بعدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، بعدَ أنْ أخْبَراهُ أنَّهُما صلَّيَا في رِحَالِهمَا.إِذَنْ إِعادَةُ الجَمَاعَةِ لا بَأْسَ بها في وقتِ النَّهْيِ.ثانيًا: إِذَا طافَ الإِنْسَانُ بالْبَيْتِ، فإن منَ السُّنةِ أنْ يُصلِّيَ بعد الطوافِ ركعتَيْنِ خلفَ مَقام إبراهيمَ، فإِذَا طافَ بعد صَلَاةِ الصُّبْحِ هل يُصلِّي ركعتَيْنِ للطَّوافِ؟ الجَوَاب: نعم، يُصلِّي، ومن أَدِلَّة ذَلِك، عَلَى نظر بَعْض العُلَمَاء، قولُ النَّبِيِّ ﷺ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا البَيْتِ أَوْ صَلَّى فِيهِ أَنْ يَأْتِيَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارِ».فإن بَعْض العُلَمَاء استدلَّ بهَذَا الحَدِيثِ عَلَى أنه يَجُوزُ إِذَا طاف أن يُصلِّيَ ركعتَيْنِ ولو في وقت النَّهْيِ.ثالثًا: إِذَا دخلَ يومَ الجُمعةِ والْإِمَامُ يخطُبُ، وكان ذَلِك عند زَوَالِ الشَّمْسِ، فإِنَّه يَجُوزُ أنْ يُصلِّيَ تحيةَ المَسْجِدِ؛ لأنَّ النَّبِيّ ﷺ كَانَ يخطُبُ النَّاس فدخلَ رجلٌ فجلسَ فقال له: «أَصَلَّيْتَ؟» قال: لا، قال: «قُمْ فَصَلِّ ركْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا».ولكنَّ الْقَوْلَ الرَّاجحَ في هَذِهِ المَسْأَلَةِ أنه يُستثنى من عُمُومِ النَّهْيِ كُلُّ ما له سَبَبٌ، كلُّ صَلَاةٍ نافلةٍ لـها سببٌ، فإنَّ فعلَها يُستثنَى من هذا العُمُومِ، فلو دخلَ الإِنْسَانُ المَسْجِدَ بعد صَلَاةِ الصُّبْحِ أو بعد صَلَاة العَصْرِ، فهنا أتى بِسَبَبٍ لِلصَّلَاةِ أبواب الصَّلاة عن رسول الله ﷺ،وهو دخُولُ المَسْجِدِ، فلا يَجْلِسُ حَتَّى يُصلِّيَ ركْعَتَيْنِ، ولو بعد العَصْرِ أو بعد الْفَجْرِ؛ لأن هَذِهِ الصَّلَاةَ لـها سببٌ، ولو كسفتِ الشَّمْسُ بعد صَلَاة العَصْرِ، وقُلْنا إن صَلَاةَ الكُسُوفِ سُنَّةٌ، فإِنَّه يُصلِّي صَلَاةَ الكُسوفِ، أمَّا إِذَا قُلْنا إن صَلَاةَ الكُسوفِ وَاجِبَةٌ، فالأَمْر في هذا ظَاهِرٌ؛ لأنَّ الصَّلَاةَ الوَاجِبَةَ لَيسَ عنها وقتُ نهيٍ إطلاقًا.لو أنَّ إِنْسَانًا توَضَّأَ بعدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ؛ فإن منَ السُّنةِ أنْ يُصلِّيَ ركْعَتَيْنِ، فهل يَجُوزُ أنْ يُصَلِّيَ ركْعَتَيْنِ في وقت النَّهي؟الجَوَاب: نعم؛ لأن هَذِهِ الصَّلَاةَ لـها سببٌ.ولو أنَّ الإِنْسَانَ أَرَادَ أن يَسْتَخِيرَ، فإِنَّه يُصلِّي ركْعَتَيْنِ ثم يدعو بدُعَاءِ الاسْتِخارَةِ، فإِذَا أتاه أمرٌ يريدُ أن يَسْتَخِيرَ فيه لا يَحْتَمِلُ التَّأخِيرَ، فاستخارَ في وقت النَّهي فإن ذَلِك جائزٌ.الخلاصة: أن هَذَا الحَدِيث: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ»، مَخْصُوصٌ، فإِذَا صلَّى صَلَاةً لـها سببٌ، فإِنَّه لا نَهْيَ عنها، وَهَذَا الَّذي ذكرتُه هو مذهبُ الشَّافعيِّ وإِحْدَى الروايتَيْن عَنِ الْإِمَام أحمدَ، واختاره شيخ الإِسْلام ابن تَيْمِيةََ، وهو الصَّحِيح، أن ذواتَ الأَسْبابِ لَيسَ عنها نَهْيٌ.أما حديثُ أبي سعيدٍ الَّذي ذكره المؤلِّفُ، فإِنَّه يَخْتَلِفُ عن حديثِ عبد الله بن عَبَّاسٍ بأن وقتَ النَّهي بعدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ يمتدُ إِلَى أن ترتفعَ الشَّمْسُ، ولكنْ كَمْ ترتفعُ؟ بمِقْدَارِ رُمْحٍ، أي بمِقْدَار مترٍ، وَهَذَا يستغرقُ في الغالب ما بين رُبع السَّاعةِ إِلَى ثُلث السَّاعةِ، فصار وقتُ النَّهي من صَلَاة الصُّبْحِ إِلَى أن ترتفعَ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ، ومن صَلَاة العَصْرِ إِلَى غُرُوب الشَّمْسِ، وهل هُناكَ وقتٌ ثالثٌ؟ الجَوَاب: نعم، لكن لم يذكرْه المؤلِّفُ، وهو عندَ زَوَالِ الشَّمْسِ أو عند قيام الشَّمْسِحَتَّى تزولَ، وذَلِك في خلال عَشْرِ دقائقَ، فأَوْقات النَّهي إذن ثَلاثَة:١- من صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى ارتفاعِ الشَّمْسِ قَدْرَ رُمْحٍ.٢- عند قيامِها في مُنْتَصَف النَّهارِ حَتَّى تزولَ، وذَلِك قُبَيْلَ أَذَانِ الظُّهرِ بعَشْرِ دقائقَ.٣- من صَلَاة العَصْرِ إِلَى غُرُوب الشَّمْسِ.ولكن هل المُعتبَرُ صَلَاة النَّاس أو صَلَاة الشَّخْصِ نفسِه؟المُعتبَرُ صَلَاةُ الشَّخْصِ نفسِه، فلو فُرِضَ أنَّ النَّاسَ صَلَّوُا العَصْرَ وأنتَ لمْ تُصَلِّ، فإن وقتَ النَّهي في حقكَ لم يدخلْ، ولو فُرِضَ أنك صليتَ قبل النَّاس، فإن وقتَ النَّهي في حقكَ يدخلُ وإن لم يُصَلِّ النَّاسُ.نستفيدُ من حديثِ ابن عَبَّاس:أولًا: تَحَرِّي عبدِ الله بن عَبَّاس بنَقْلِ الخَبَرِ؛ لأنَّهُ قال: شهدَ عندي رجالٌ مَرْضِيُّونَ وأَرْضاهُم عُمَرُ.ثانيًا: أنَّ الخبرَ يَقْوَى بتَعَدُّدِ النَّقَلَةِ؛ أي بتَعَدُّدِ الَّذِين يَنْقلُونَه، فإِذَا نُقِلَ الخبرُ إليكَ من طريقٍ وَاحِدٍ، ثم من طريقَيْنِ ازدادَ قوةً، ثم من ثَلاثَة ازداد قوةً أكثرَ، حَتَّى يصلَ أَحْيانًا إِلَى التَّواتُرِ الَّذي يفيدُ العِلْمَ اليقينيَّ.في حديث عَائِشَة قَوْله ﷺ: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ».قُلْنا: لا صَلَاةَ كَامِلةً، وحديث أبي سعيد الخدري قَوْله ﷺ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ»، قُلْنا بتحريمِ الأَمْرِ، أي: النَّهي عامٌّ، فما سبب اخْتِلَافِ الحُكمِ بين الْقَوْلين مع أنَّ اللَّفْظَ مُشْتَرَكٌ، وجاءت النَّكِرَةُ في سياق النفي في كليهما؟الجَوَاب: الفرقُ بينهما أن قولَه: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ.لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ»، نفيٌ لِلصَّلَاةِ نفسِها، وأما: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ»، فهو نفيٌ مُقيَّدٌ، أي: لا صَلَاةَ مع هَذِهِ الحَالِ.ومن المَعْلُوم أن هَذِهِ الحَالَ لا تُنافي أصلَ الصَّلَاة، وإِنَّما تُنافي كمالَ الصَّلَاة؛ لأن حضرةَ الطعامِ تُوجِبُ للإِنْسَان أن يُشَوَّشَ ذِهْنُه، فينشغِلَ عن حُضُورِ قلبِه في الصَّلَاة، فلِهَذا قُلْنا: إن النفيَ هُناكَ للكمالِ، وهُنَا نفيٌ للصِّحةِ.إِذَا قُلْنا: إن النَّهيَ عامٌّ عَنِ الصَّلَاةِ بعد الْفَجْرِ، وجاءتْ أحاديثُ تُخصِّصُ بَعْض الصَّلوَاتِ بعينِها، مثل قضاءِ راتِبة الصُّبْحِ، أو ركعتَيِ الطَّوافِ، أما غيرُها فيَكُون النَّهي عامًّا، ويَرُدُّ عَلَى ذَلِك مَنِ استدلَّ بحديثِ الرَّجلِ الَّذي دخلَ المَسْجِدَ وجلسَ، وأمره النَّبِيُّ بأن يقومَ ويُصلِّيَ تحيةَ المَسْجِدِ، أنه أمرَهُ في وقتٍ لم تكنْ فيه نافلةٌ.ويقول: إن النَّهيَ قويٌّ في قَوْلِه : «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ».وأيضًا يقول: ورد أن عُمَرَ بن الخطَّاب كَانَ ينهَى عَنِ الصَّلَاة بعد الصُّبْحِ، ويطردُ من يفعلُ ذَلِك.الجَوَاب: هذا إيرادٌ قويٌّ، يقول: إِذَا كَانَ النَّهي عَنِ الصَّلَاة في هذيْنِ الوَقْتَيْن عامًّا؛ فإِنَّه يَنْبَغِي ألاّ نُخصِّصَ النَّهيَ إلا بما جاء به النصُّ، مثل إِعادَة الجَمَاعَة، سُنة الْفَجْرِ بعدها إن صحَّ الخبر فيها.ونقول: إنَّ ألفاظَ النَّهي في بَعْضها لا تَتَحَرَّوُا الصَّلَاةَ عند طُلُوعِ الشَّمْسِ وعند غُرُوبِها، فدلَّ هذا عَلَى أنَّ المَنْهِيَ عامٌّ أن يتحرَّى الإِنْسَانُ هذا الوَقْتَ، فيقومُ يُصلِّي، وأما إِذَا كَانَ له سببٌ؛ فإن الصَّلَاة تُحالُ عَلَى سببِها.ويدلُّ لِـهَذا أيضًا أنَّ النَّبِيّ ﷺ علَّلَ النَّهيَ عَنِ الصَّلَاة بعدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وبعد صَلَاة العَصْرِ، بأنَّ المُشْرِكين كانوا يَسْجُدُونَ للشَّمْسِ عند طُلُوعها وعند غُرُوبها، فإِذَا وُجِدَ سببٌ تُحالُ الصَّلَاةُ علَيْه زالتِ هَذِهِ العلةُ.ويدلُّ لذَلِك أيضًا القَاعِدَةُ المعروفة عند العُلَمَاء، أنَّ العامَّ المحمودَ مُقَدَّمٌ عَلَى العامِّ المَخْصُوصِ، وأحاديثُ النَّوافِلِ ذاتِ الأَسْبابِ المعيَّنة عَامَّةٌ محفوظةٌ، وأحاديث النَّهيِ عَامَّةٌ مَخْصُوصةٌ بعِدَّةِ مُخَصِّصَاتٍ، والعامُّ المحفوظُ غيرُ المُخَصَّصِ أقوى من العامِّ الَّذي يُخَصَّصُ، حَتَّى إنَّ بَعْضَ أهل الْعِلْم من الأصوليين، قال: إن النصَّ العامَّ إِذَا خُصِّصَ بَطُلَتْ دَلالتُه عَلَى العُمُومِ، معلِّلًا قَوْله هذا بأنَّ العامَّ إِذَا خُصِّصَ فهو قرينةٌ عَلَى أن عُمُومَه غيرُ مُرادٍ، فيُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ ما يُطْلَقُ علَيْه الاسمُ، ويَكُون حكمُه في هَذِهِ الحالِ حكمُ المطلَقِ لا حكمُ العامِّ، ولكنَّ الصَّحِيحَ أنَّ العامَّ إِذَا خُصِّصَ يبقى عَلَى عُمُومِه، فيما عدا التَّخْصِيص.----------------------------كتاب مواقيت الصَّلاة، باب لا يتحرى الصَّلاة قبل غروب الشَّمس، رقم (٥٦١).فيأخرجه أحمد (١ / ٤٣٩ رقم ٤١٧٧).باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة، رقم (٢١٩)، وقال: حسن صحيح.أخرجه أحمد (٤ / ٨٠ رقم ١٦٧٨٢).كتاب الجمعة، باب التحية والامام يخطب، رقم (٨٧٥)..
المصدر :شرح عمدة الاحكام - ابن باز / كتاب الصلاة / باب المواقيت /حديث رقم:60