■ الحديث: عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ ــ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ ــ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ».
■ حكم الحديث: متفق عليه
■ شرح الحديث: 〈الشيخ ابن عثيمين〉
________________________________________
هَذَا الحَدِيثُ ذكـرَه المؤلِّـفُ في باب المـواقِيت، وإن كَـانَ لا يتعلَّـقُ بالفَرائِضِ، لكـنَّ فيه بيانَ شَيْءٍ من المَواقِيتِ، التي لا تصحُّ الصَّـلَاةُ فيها، فيقـول
ابن عَبَّاس إنه شَهِدَ عندي رِجالٌ مَرْضِّيُونَ، وأَرْضاهُمْ عندي عُمَرُ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهى، فقال: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ».
قوله: «شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ»، وشهدوا تُحمَل على: الْقَوْل أو الإخبار والإشهاد.
فإِذَا قَالُوا: «نشهد أن رَسُول الله قال.» والعبارة مُحتَملة، والخبَر يقينٌ، أي إِذَا أخبَر الإِنْسَان بشَيْءٍ مُتيَقَّن؛ فقد شهد، ولِـهَذا لمَّا قيل للإِمَام أحمد: «إنَّ فلانًا يقول إنَّ العَشَرةَ -أي المُبَشَّرِينَ بالجنَّة- في الجنَّة، ولكنِّي لا أشهدُ»، فقال الْإِمَام أحمد: «إذَا قَالَ فَقَدْ شَهِدَ».
وعلى كُلّ حالٍ فنحن نقبل هَذَا الحَدِيث سواء كَانَ بلفظ الشَّهادة أو بلفظ الخبَر المُجَرَّد، «أنَّ النَّبيَّ ﷺ نَهَى عَن الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْح حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ».
«بَعْد الصُّبْح» اخْتَلَفَ العُلَمَاء في مَعْنَاه:
فمنهم مَن قال: إنَّ النَّهي يبدأ مِن طُلوع الصُّبح، ولكنهم استَثْنَوْا سُنة الْفَجْر بثبوت السُّنة بها ثبوتًا لا شَكَّ فيه.
ومنهم مَن قال: إنَّ المُراد لا صَلَاة بعد صَلَاة الصُّبح، وَهَذَا الْقَوْل أَصَحُّ؛ لأنَّهُ قد جاء بلفظٍ صحِيحٍ صَرِيح، وقياسًا عَلَى العَصْر فإنَّ وقت النَّهي لا يدخلُ فِيهَا إلَّا بعد الصَّلَاة.
وعلى هذا: فالْقَوْلُ الرَّاجحُ في هَذِهِ المَسْأَلَة أنَّ المُرادَ بعد صَلَاة الصُّبح حَتَّى
تطلعَ الشَّمْس، وإِذَا طلعت الشَّمْس زال النَّهي، وبعد صَلَاة العَصْر حَتَّى تغربَ، وإِذَا غَربت زالَ النَّهْيُ.
وهَذَا الحَدِيث فيه النَّهْيُّ عن كلِّ صلَاةٍ نَافِلَة أو فَرِيضَة.
والْفَرِيضَة مثل أنْ يَذْكُرَ الإِنْسَان بعد صَلَاة الْفَجْر أنه صلَّى الْعِشَاء عَلَى غير طهارة؛ فهنا يجب علَيْه أن يُصلِّيَ الْعِشَاء.
لكن ظَاهِر الحَدِيث أنْ لا صَلَاةَ؛ لأنَّها هَذِهِ داخلة في «وَلَا صلَاةَ»، و(لا) هنا نافية للجنس، وهي نَصٌّ في العُمُوم، ولكِنَّنا نَقُول هذا العُمُوم قد خُصِّصَ بمسَائل مُتعدِّدة، منها: هَذِهِ المَسْأَلَة (قضاء الفَرائِض)، فإِنَّه لا نَهْيَ عنها، فمتى ذكرها الإِنْسَان في أيِّ وقتٍ صلَّاها؛ لِقَوْلِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ علَيْه وعلَى آلِه وسلَّم-: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَو نَسِيهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا».
ثم إنَّ إِعادَة الجَمَاعَة بأنْ يُصَلِّيَ الإِنْسَان في مَسْجِدٍ ويجيءَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَر وهم يصلون الْفَجْر؛ فلْيدخلْ معهم، ولا نَهْيَ في ذَلِك.
والدَّليل: أنَّ رَسُول الله صلَّى الفَجْرَ في مَسْجِد الخيف في أيام مِنَى، وإذَا برَجُلَيْن لم يُصَلِّيَا، فجِيءَ بِهمَا إِلَى رَسُول الله ﷺ تَرْعُد فَرَائِسُهما خَوْفًا وخَيْبةً، فقال: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا»، فقَالُوا: يا رَسُول الله، صلَّيْنَا في رِحَالِنَا، فقال: «إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِـكُما ثُـم أتَيْتُما مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَـإِنَّهَا لَكُـمَا نَافِلَة».
فصرَّحَ بالصَّلَاة معهم، وصرَّحَ بأنها نَافِلَة؛ وعلى هذا فَيُسْتَثْنَى مَن دخَل المَسْجِد والنَّاس يصلُّونَ ولْيُصَلِّ معهم ولو كَانَ قد صلَّى الْفَجْر.
وإذَا طاف بالْبَيْت بعد صَلَاة الصُّبح فإِنَّه بعد الفَراغ مِن الطَّواف يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مع أنها داخلةٌ في «لَا صَلَاةَ».
وإذَا تصَدَّق بالصَّلَاة علَى إِنْسَانٍ دخل بَعْد انتهاء النَّاس مِن صَلَاة الجمَاعة، فقام رجل يتَصَدَّقُ علَيْه؛ فَهَذَا أيضًا لا بَأْسَ به ولو بعد صَلَاة الصُّبح أو بعد صَلَاة العَصْر، وهُنَاك مُسْتَثْنَيَاتٌ، فهل نقتصرُ عَلَى ما استُثْنِيَ فقط، أو نَقُولُ ما سَاوَاهُ في مَعْنَاه فله حُكمه؟
الصَّواب: أنَّ ما سَاوَاهُ في مَعْنَاه فله حُكمه؛ ولِهَذا كَانَ الْقَوْل الرَّاجح في هَذِهِ المَسْأَلَة: أنَّ كل صَلَاة لـها سببٌ فلا نَهْيَ عنها، وهَذِهِ روايةٌ عَنِ الْإِمَام أحمد، وهي مَذْهَبُ الشَّافعي، واختارها شيخ الإِسْلام ابن تَيْمِية ، وشيخنا عبد الرَّحمن بن سَعدي، وشيخنا عبد العزيز بن بَازٍ، وغيرهم مِن العُلَمَاء؛ وعلى هذا إِذَا دخلتُ المَسْجِد بعد صَلَاة العَصْر فإني أصلي تحيةَ المَسْجِد بِلَا نَهْي.
----------------------------
كتاب مواقيت الصَّلاة، باب الصَّلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشَّمس، رقم (٥٥٦).
كتاب الصوم، باب الصوم يوم النحر، رقم (١٨٩٣).
أخرجه أبو يعلى (٥ / ٤٠٩ رقم ٣٠٨٦).
أبواب الصَّلاة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة، رقم (٢١٩)، وقال: حسن صحيح..
المصدر :شرح عمدة الاحكام - ابن باز / كتاب الصلاة / باب المواقيت /حديث رقم:59